هنا... غزة العنيدة

هنا... غزة العنيدة

18 اغسطس 2018
+ الخط -
نعم هنا غزة التي تعشق الفرح وترفض البؤس.
هنا غزة التي تتقن فن العيش وترفض الموت.
هنا غزة التي تلقن تجار الأوطان دروسا في الوطنية.
هنا غزة التي تعجز عن سد رمق أبنائها، لكنها ترفض تجرّع مرارة الظلم.
غزة العنيدة ليست مهملة، وما يعلوها ليس تراب المدافن، بل هو غبار المعارك وبطولات الصمود.
غزة العنيدة لا تجتر بطولات الأسلاف من بطون التاريخ، بل هي من يصنع التاريخ الذي يلازمها ليسطّر للأجيال القادمة معاني الأنفة والكبرياء.
غزة لن تموت من الجوع، فهي تتقن فنون الصيام، ولن تذوي بصمت فصخب سلاسل أصفادها يوقظ أحرار الأمة.
غزة تأبى أن تطحنها عبثية السياسة ومراهقيها، ولن تخلي مقعدها في الصفوف الأولى من أجل شرذمة من المنبطحين على هامش الكرامة.
فلسطين هي حلم، وغزة هي بوابة الوصول، وما تحمله غزة في ساحات المواجهة ليس سلاح بل هو بعض أشلائها، فغزة ببساطة تهوى المحاربة بأجساد أبطالها، فالاستسلام ليس من خياراتها.
غزة العنيدة بحجمها الدقيق وجسدها المنهك الرشيق، تفرض نفسها بقوة الإرادة على أكبر طاولات السياسة وجداول أعمال رؤساء القوى الكبرى.
غزة التي لا تكاد تغيب عن نشرات الأخبار حول العالم لا تملك سلاحا كيماويا ولا مفاعلا نوويا، ولا أساطيل تجوب البحار وطائرات تسبح في السماء.
غزة العنيدة باتت تتقن فن اكتساب قوتها من عمق ضعفها، فسلاحها مجرّد حجر وسكين، طائرات ورقية، أنفاق ومرايا، إطارات مشتعلة ومقصات أسلاك، قنابل مولوتوف، قذائف هاون وأنابيب قسام.
غزة تواجه آلة حرب هي الأكثر تطورا في العالم، لكنها تملك طموحا وهمة وأملا أكثر بكثير مما يملك عدوها المدجج بالأسلحة والعتاد.
غزة لا تطلق النار، وما تطلقه ليست صواريخ بل هي مطارق لقرع الأجراس، لعل الأمة الغافلة تستيقظ لتستعيد حقها السليب.
استكان فريق فلسطيني عريض في الضفة الغربية المحتلة، وجرفوا المقاومة وصادروا البندقية، فهل تحولت الضفة إلى سنغافورة، وهل حصلوا على البحبوحة والكرامة، أم أنها تعيش تحت بساطير الاحتلال؟
غزة هي التي تحافظ على وضع القضية على جدول أعمال العالم، ولولاها لألقيت في غياهب النسيان، فالعالم لا يحترم إلا الأقوياء.
غزة هي التي ستبقى تبث روح الأمل والحياة في أوصال المقاومة، إكسير الحياة بالنسبة للشعب الفلسطيني أيقونة الأمة، فروح غزة الحرة لا يكبلها الحصار.
يا ثوار غزة لا تقسوا على ثوار البنادق، فليسوا هم من يغلق غزة، بل هو العدو وأذنابه من العرب حول غزة. فما تشعله غزة على الحدود ليس إطارات كاوتشوك، بل هي شموع الأمل، وما تطلقه في السماء ليس طائرات ورقية، بل هي حمائم الحرية، فلتعمي شموعنا عيون أعدائنا ولتحرق حمائم حريتنا حقولهم ومزارعهم وبيوتهم.
ليس لغزة أسوار لترفع فوقها رايات الاستسلام البيضاء، بل لها بيارق تنصب فوقها بنادق ومدافع تقرع بها أجراس الحرية.
غزة لا تحلم برغيف خبز أو جزيرة خضراء في البحر، غزة تحلم بوطن أخضر تزّين قلبه قبة الأقصى الذهبية الصفراء.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)