الصيف في المغرب.. الشواطئ والزوايا

الصيف في المغرب.. الشواطئ والزوايا

17 اغسطس 2018
+ الخط -
نحن المغاربة في بلد يعشق أهله التمتع بكل ما هو جميل وممتع ورائع. وكلما اقتربت عطلة نهاية السنة الدراسية، تحمل مئات الآلاف من العوائل أمتعتها وتتوجه في رحلات داخلية إلى الشواطئ والأنهار والأماكن الجبلية. وفي عز الصيف، يبحثون عن أماكن مناسبة للسياحة، هروبا من القيظ. لكن الغريب أننا في مجتمع يخرج أبناؤه للمشاركة والتفاعل في ملتقيات يغلب عليها الطابع التقليدي وقيم العرف، إذ تحتفظ وتحتفل بعض الملتقيات بتاريخ الخيالة والفروسية تقليدا سنويا، وفي الصحراء يحتفل أهلها بسباقات الهجن. والغريب أنّ أناسا يعشقون التوجه إلى "المداشر" و"الدواوير" والمدن للاحتفال بموسم ولي من الأولياء كما هي عادة معظم ساكنة المغرب وموريتانيا والجزائر في تقديس الماضي، والاحتفاظ به في الحاضر، بل استحضاره رمزا للبقاء وهوية تصمد في مواجهة موجة التقدم والتطور والعولمة.
الغريب أن الدولة بأجهزتها تقدم على عملٍ لا يحسب على مفهوم الدولة المدنية، إذ تعمد على تنظيم هذه الملتقيات بالدعم المالي تارة، وبالتشجيع تارة أخرى، وغالبا ما تتحمل الدولة جزءا كبيرا من أنشطة المواسم الدينية.
على الرغم من هتافات التغيير والمدنية وتصالح الدولة مع الحداثة، تبقى الدولة رهينة للمواسم التي أضفت عليها الصبغة الدينية، إذ تهدف من ذلك إلى إثبات دفاعها عن قيم دينية "مغربية خالصة"، ولمواجهة التيارات الإسلامية كالسلفية والإخوان المسلمين، أو للتصدّي لجماعة العدل والإحسان.
لقد أغرق خطاب الدولة الديني المجتمع بملتقيات ثقافية واقتصادية ضيعت الثقافة، وحوّلتها إلى ثقافة بدون ثقافة، إذ تحولت مدن بأكملها إلى ساحات لاستقبال الموسيقى والرقص، بما يخالف تماما أصالة المحتفى بهم، إذ لا معنى للموسيقى قرب زاوية أو ضريح.
ما يحدث في العطل الصيفية، يستدعي منا محاولة فهم واستيعاب تخصيص الأموال والساحات للاحتفال بموسم قبيلة قرب الشاطئ مثلا، أو استدعاء مثقفين للوقوف على مفاهيم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مواقع ليست مناسبة لطرح أمورٍ كهذه.
ثمّة أصوات تحذر من تخدير المجتمع، فالعودة إلى الماضي، عبر هذا النوع من الاحتفاليات، يغرق المجتمع بالتنميط والتراجع إلى الوراء، إذ لن تخدم مواسم الزوايا المجتمع، ولن تفيد في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. هذا الإغراق أوصل الناس إلى التنافس في تخليد ذكرياتٍ قد تكون مستوحاة من التاريخ الشفهي.
صناعة الإنسان تشترط التركيز على مقومات الصمود في مواجهة الأخطار المحدقة بالبلاد، عبر توفير الصحة الجيدة والتعليم الذي يقود البلاد إلى مصاف البلدان المتطورة.
أمر صحيح أن نعمل على الاحتفاظ بتاريخنا القديم والمحلي كإرث نستلهم منه حكمة وعلما وخطوة، على أن لا نؤسس لواقع جديد يتداخل فيه الماضي، ونسجن أنفسنا داخل تلك الرؤية الضيقة.
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
F01BF109-CE84-49A7-B7DD-C4503D4FBCEE
محمد الأغظف بوية (المغرب)
محمد الأغظف بوية (المغرب)