أشياء جرجس شكري

أشياء جرجس شكري

16 اغسطس 2018
+ الخط -
لماذا تعلق جرجس شكري في كتابة "أشياء ليس لها كلمات" بالزمن والفراغ والعدم؟ هل لأن المسرح هو عينه التي يرى بها العالم، أي عالم، عالم الأحداث الجارية، عالم الشعر، عالم العلاقات الإنسانية.
كل واحد منا يهرب إلى زاويةٍ ما من المسرح تخصّه، كي يخرج بطلا متساميا، أو سجينا، أو قدّيسا، أو حتى قتيلا، أو حتى عدميا هادئا لا يعبأ بالعالم. كنت قد قرأت له من سنواتٍ قليلةٍ شهادته (نثرا) عن تجربة في ألمانيا استمرت شهورا، كان جرجس يحتفي فيها احتفاءً حميما بالأشياء والمكان، وكأنها ولادة أخرى للحواسّ. لاحظت، من خلال هذه الشهادة، أن هناك مسافة شاسعة ما بين كتابات جرجس شكري نثرا (أقصد النثر الخالص) وقصيدة جرجس (النثرية أيضا). هناك يحتفي بجمال الأشياء (نثرا)، وهنا يحتفي بزوالها وعدمها (شعرا). وهذا ما حيّرني في جرجس الذي أعرفه، ابن الأسرة الشقيّة المكافحة، والشخص ذو البصيرة في معرفة الناس، والذي يعرف متى يقترب، ومتى يهرب هروبا حميدا، ومتى يقع في المحبّة ماشيا، ومن غير سبب، ثم يعرف، فيما بعد، أن يهرب هروب الغزال، بلا وجيعة أو دموع أو دم. يعرف طريقه الآمن، كي يقرأ ويشاهد ويتأمل المسرح، مسرح الحياة في عمومها، منتظرا فرجا، أو كتابا، أو سفرا، أو محبّة، أو حياة، قبل أن تطاوله الخمسون بعقدها وبؤسها أيضا. أنا أحاول أن أعرّف شعره به، أو من خلاله أقترب لشعره إن أمكن، وتلك هي المسافة الموجعة وصعبة التأويل.
(سأغلق مسرحي هذا المساء/ وأطرد الممثلين خارجا/ يدي اليمني سأتركها تفرح مع قهوتي وسيجارة وحيدة، أما اليسرى، أعرف أنّها تفضل البقاء عند النافذة/ ربما تفعل شيئا ضد العالم). ... نعم هي أشياء شاحبة الكلمات، ونادرة الكلمات، فيها زهد لغوي متعمّد، وفيها نباهةٌ خاصةٌ بعين محبٍّ المسرح وزواياه ورؤيته وشجونه، ولكنها عين متفصّحة، بلا صخب ولا ضوضاء.
(رأسي سينصرف بهدوء كعادته، احتجاجا على هذه الفوضى، وهنا، ستغلق عيوني الستار على نفسها، وتفرح بالنوم بعيدا عن الإضاءة. حتما. سيأخذ فمي إجازة مفتوحة من الكلام. فهذا الجمهور لا أعرفه، وبين الحين والحين، أحتاج أن أغلق مسرحي وأذهب بعيدا). فمتى يملك الواحد غلق فمه عند اللزوم؟
أما الهرب، على الرغم من فداحته، فلا يعرف الواحد منا في هذه الأيام، إلى أي ناحية يهرب؟ ففي كل شبر على خشبة المسرح يوجد ذلك الفخّ أو العدو المنتظر، إلا فيما ندر.

دلالات