المساومة على المقاومة

المساومة على المقاومة

15 اغسطس 2018
+ الخط -

يظل صعباً على الفهم أن تبدو"حماس المقاومة" راضيةً ومستجيبةً لما يسمّى الدور المصري في السيناريوهات المطروحة بشأن تسوية ما في غزة.

وتزداد المسألة صعوبةً في ظل الكشف عن لقاء سرّي آخر، انعقد في مصر بين بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، وعبد الفتاح السيسي، ساكن الاتحادية، المتماهي تماماً مع رؤى الصهاينة ومشاريعهم وأحلامهم في حسم الموضوع الفلسطيني.

وبحسب المنشور في إعلام الاحتلال، زار نتنياهو القاهرة سراً، في الثاني والعشرين من مايو/أيار الماضي، وبحث مع السيسي صفقة بشأن غزة، ينشط فيها الأخير بدور السمسار الذي يساوم المقاومة بحزمةٍ من الحوافز والتسهيلات، أقصى ما تحقّقه هو تحسين شروط البقاء تحت الاحتلال، في مقابل التخلي عن كثير من المرتكزات الحاكمة للصراع.

الثابت من أرشيف الزيارات المتعدّدة لقادة "حماس" إلى مصر، أنّ رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، كان في القاهرة قبل عشرة أيام من زيارة نتنياهو لها، وفي ذروة اشتعال مسيرات العودة التي دوّت معها صافرات الإنذار في العواصم العربية المهرولة نحو صفقةٍ مع الاحتلال، فراحت تبحث عن مخرجٍ لإسرائيل، ولها، من احتمالات تطور المسيرات إلى انتفاضة فلسطينية جديدة، تعيد إلى المقاومة وهجها، وتربك كل المعادلات والمخططات الموضوعة من الإدارة الأميركية لكتابة فصلٍ بائس، وأخير، للقضية الفلسطينية.

يفيد التطور الدرامي لعمليات التفاوض الجارية بشأن غزة بأن "حماس" مدعوة، في أفضل الظروف، إلى ما يشبه "أوسلو" جديدة، تقوم فيها بالأدوار التي كانت تقوم بها حركة فتح في التسعينيات، وما ترتب عليها من ابتعاد عن مشروع المقاومة، اقتراباً من أوهام تنميةٍ اقتصادية ومزايا معيشية، تستلزم اندماجاً في المسعى العربي الرسمي، للوصول إلى علاقات طبيعية مع الاحتلال، ذهاباً إلى شرق أوسط جديد، يصطنع أعداءً جدداً، بديلاً للعدو التاريخي والرئيس.

لا اعتراض على كلام قادة "حماس" عن الدور التاريخي والمحوري لمصر في القضية الفلسطينية، لكن أي مصر؟ هل هي مصر العربية، كما ارتسمت ملامحها على نار الصراع، أم مصر التي باتت محكومةً بمن ترعاه إسرائيل وتتبناه وتدعمه، باعتبار وجوده في السلطة مصلحة صهيونية عليا؟ مصر التي قدمت الشهداء دفاعاً عن الوجود العربي، أم مصر التي تتربّح من خنق الإنسان الفلسطيني بالمعابر المغلقة، التي لا تفتح إلا بالأمر الإسرائيلي، وتتكسّب من إحكام الحصار على غزة؟.

إن مصر(السيسية) انخفضت إلى ما تحت مستوى الوسيط، لتضطلع بدور الباحث عن مصلحة المحتل، قبل أي مصلحةٍ أخرى، ليس فقط سداداً لفواتير الصعود إلى الحكم والاستمرار فيه، وإنما اتّساقاً مع عقيدةٍ تسكن عقل وقلب الذين يحكمونها بالبطش والتسول الآن.

ومن الجيد هنا أن تقرأ "حماس" ما جرى في السنوات التي أعقبت"أوسلو" وحتى الآن، وتنظر ماذا أخذ الشعب الفلسطيني، وماذا حصد الصهاينة، ليس على المستويين، الاقتصادي والسياسي، فحسب، وإنما أيضا على المستوى القيمي، المحدّد لتعريفات القضية وجوهر الصراع.

الحصيلة، بعد كل هذه السنوات العشرين، أن فكرة المقاومة ذاتها قد أهينت وامتهنت، وصارت في عرف النظام الدولي المختلّ اتهاماً، بل جريمة، حتى انتهى الحال إلى تصنيفها إرهاباً واعتداء، من دون أن تأتي التنمية الموعودة، أو يتوقّف الاحتلال عن التمدّد والتوسّع واقتلاع الإنسان الفلسطيني من جذوره الضاربة في عمق الأرض، وعمق الرواية التاريخية للصراع.

والشاهد أنه لم يربح أحدٌ من الصفقات الصهيونية المطروحة على العرب، منذ انطلاق قطار التسوية مع "كامب ديفيد"، إلا الصهاينة أنفسهم، في المقام الأول، وكذلك السماسرة العرب المروّجون هذه الصفقات، بينما ازداد الإنسان العربي والفلسطيني وجعاً على وجع، وبؤساً على بؤس، فلا الرخاء، كما وعد به أنور السادات أتى، ولا السلام وقع، ولا الاحتلال توقف عن العربدة والتمدّد.

والثابت أيضاً أن "حماس" اكتسبت مكانها ومكانتها في الوجدان العربي السليم، بوصفها مشروع المقاومة العربية الباقي ضد الفناء والمحو، فيما سقط من هذا الوجدان كل من مضى في طريق التسويات الهادئة، والساخنة، على المواقد الصهيونية.

 

 

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا