الفرد والمجتمع المحيط

الفرد والمجتمع المحيط

15 اغسطس 2018
+ الخط -
كل شخص منا يتأثر بالمحيط الذي يعيش به، وخصوصا عندما يبرز في المجتمع الضيق المحافظ على تقاليده الريفية شيء مما يخالف التقاليد والعرف، فيكون لدى الفرد هاجس خوف من كلام الناس، وتناقل قصصه بين بعضهم، على ألسنة المجتمع المحيط.
لا تزال تلك الكلمات التي أودعتها والدتي في جعبتي "الناس بتحكي عليك" في ذاكرتي، لكي لا أقع في الخطأ الذي كان غيري ارتكبه، وأخذ يدور على ألسنة الناس، يميناً وشمالاً، تارة هنا وتارةً هناك. فالكلام لم يكن محض نقد، إنما أصبح شبيهاً بالإهانة للشخص، حينما يمر على أشخاص سبق وتحدثوا عليه، أو سمع من أحد أقاربه تعليقاً ما.
كان لدي صديق لي يحافظ على التقاليد التي زرعت في رأسه، من المجتمع المحيط فيه، ولا أعني هنا الخروج عن تقاليد المجتمع المعروفة، وإنما التقاليد التي انتهى عصرها مع تطورات التكنولوجيا وتوسع دائرة المجتمع والانتقال من البلدة إلى المدينة شيئاً ما. صديقي هذا، كلّمته الساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل، حدثني بصوت الخافت، ودعوته إلى فنجان من القهوة التي اعتدنا شربها من دون سكر، إلا أنه قابل دعوتي بالرفض، لأن والده مستيقظ، ولا يمكنه الخروج من المنزل! وإذا حاول الخروج يمنعه والده، نظراً لاختراقه قوانين المجتمع أو العائلة بنظر والده. حاولت أن أتحدث معه من هذا الجانب، إلا أنه رفض وتمسك بعقلية والده التي لا زالت تحافظ على تقاليد انتهى أجلها. وفي المقابل، كانت نظرة والده إيجابية من ناحية ما، للخلاص من كلام الناس الذي يمكن أن يقال تجاه ابنه.
وقعت في مشكلة هنا، وأصبح والده، في نظري، كهيئة حاجز يعيق استمتاعي بالوقت مع الصديق، مرّت السنوات ولا زلت أرافقه كصديق ودود، أحدثه فيما لا أحدث الناس عنه، وهو يحدثني كذلك، اعتقدت أنّ التقارب بيننا كان جيداً، نظراً لأننا زملاء في المدرسة وحتى الجامعة، ولا زلنا محافظين على تلك الصداقة. وخلال هذه السنوات كانت القيود التي وضعت عليه تذهب دون مبرّر نظراً للتأثر بالمجتمع المحيط.
ذهبت هذه القيود من دون مبرر ما من الصديق، علمت انتهاء التفكير الذي كان يتمسّك والده به. توسعت دائرة صداقتنا نظراً لدراستنا في القسم ذاته، وفي الوقت نفسه، سألني أصدقائي الآخرون الذين لهم علم وثيق بتفكير والده: كم تغيّر صديقك خلال فترة وجيزة؟ لم أكن أعلم أنّ الأصدقاء على انتباه للتغيرات التي جرت عليه.
والآن، أصبح صديقي يلازمني في الجلسات التي اعتدنا عليها بعد القضاء على قيود العائلة التي ترتبط بنظرة المجتمع إليك، نذهب في الأسبوع قرابة ثلاث مرات، والرابعة تكون باجتماع الأصدقاء كافة، إلى إحدى الطرق المؤدية إلى القرى المجاورة لمدينتنا شمالاً مع غروب الشمس، نحتسي القهوة السادة، نتبادل أطراف الحديث، مندهشين في ذلك الجو الرائع. الأحاديث جلها تدور عن حياتنا اليومية، وبعضها عن الأحداث السياسية.
لعل تلك التغيرات التي طرأت على عائلته أو الصديق فقط، هي نتيجة تأثره في المجتمع، ومواكبته تطوراته ومعتقدات تقاليده، إلا أنني أحاول أن أزيل التفكير عن فكرة الثقة التي منحتني إياها عائلته في تعاملي مع ابنهم، لكن المجتمع ككل يتأثر من بعضه بعضا، عن طريق انتقال الخبرات أو الحفاظ على التقاليد والعادات، وذلك المثل القائم إلى الآن "من عاشر القوم أربعين يوماً أصبح منهم". لم يكن هذا المثل محض رواية ما، إنما جاء عن تجربة العيش داخل المجتمع، والتأثر بتقاليده وعاداته التي بنيت فيه.
B596A27C-4CCE-42ED-BACD-ECEEA1E2ABC3
B596A27C-4CCE-42ED-BACD-ECEEA1E2ABC3
حسين خطيب (سورية)
حسين خطيب (سورية)