حماس الجُغرافيا وفتح التاريخ

حماس الجغرافيا وفتح التاريخ

14 اغسطس 2018
+ الخط -
منذ صعدت أقدام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على سُلم الإدارة والحكم في الأراضي الفلسطينية، بعد الانتخابات التشريعية التي جرت أخيرا في العام 2006، أصبحت الحركة أكثر براغماتية. ولأن الاختلاط بالحكم والإدارة وهموم المواطن اليومية هو ما أوصلها إلى الحالة التي عليها الآن، فقد نجحت أخيرا في استثمار ثورة مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وتجنيد أهدافها لخدمة القضايا الأكثر أهمية للمواطن الفلسطيني، من خلال فتح باب جديد من العلاقات مع مصر من جانب، ومع الأمم المتحدة من جانب آخر، بهدف التوصل إلى حلولٍ تجني فيها حركة حماس ثمن تضحيات المواطن الفلسطيني خلال الـ 12 عاماً الماضية من حكمها قطاع غزة، وما تبع ذلك من حصار وإغلاق وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي، ووصول مستوى الفقر إلى 80% بين صفوف مواطني القطاع.
ترغب حركة حماس، ومن خلال حديثها المتكرّر عن تعويض المواطن في قطاع غزة عمّا لحق به خلال السنوات الماضية، لإنجاز كبير يُسجل في تاريخها بأنها لم تفاوض الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، وأنها لم تقبل صفقات مشبوهة من أجل توطيد حكمها في القطاع، وأنها لا زالت تملك ترسانةً من الأسلحة، والأنفاق تُهدد بها أمن الاحتلال الإسرائيلي في أي وقت تُريد استخدامها. لقد استفادت حركة حماس من جغرافيا قطاع غزة المحاصر، وراهنت على صمود المواطن في القطاع من أجل تحقيق أهدافها، ولم تُسجل حالة ثورية واحدة ضد حكم حركة حماس في القطاع طوال الـ 12 عام الماضية، ولم يتمرّد موظفوها على الرغم من أنهم يتقاضون راتباً لا يؤهلهم للعيش الكريم، ولم تُسجل تجاوزات أمنية خطيرة في قطاع غزة بانتشار ظاهرة المسلحين والملثمين في الشوارع وقطع الطرق، ولم تحدث حالات الفلتان الأمني، منذ سيطرت حركة حماس على القطاع في يونيو، حزيران 2007.
ومنذ ذلك الوقت، تسابقت قوى إقليمية وعربية وفلسطينية على حصار القطاع، ومحاولة تركيع حركة حماس، وترويضها للقبول بأدنى الحلول والفرص، من أجل إخراج القطاع من هذا المستنقع. ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد صمدت "حماس" وصمد معها المواطن في القطاع، رغماً عن الحروب الثلاث التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وعلى الرغم من سنوات الحصار العجاف، وعلى الرغم من انعدام فرص العمل وإغلاق المعابر، إلا أن براغماتية "حماس" نضجت أكثر فأكثر، وأجادت اللعب على التناقضات الدولية والإقليمية والمحلية، ووجدت في قطر وتركيا وإيران وماليزيا وبعض الدول نصيراً وحليفا،ً يُقدم لها المساعدات من أجل ضمان صمودها، محورا للمقاومة في الأراضي الفلسطينية ورافضا للسياسات الإسرائيلية والأميركية.
منذ خسرت حركة فتح الانتخابات التشريعية في عام 2006، بدأت بممارسة المعارضة لأسلوب "حماس" وفكرها في كيفية إدارتها شؤون البلاد، خصوصا بعد أن بدأت موجه نقص الرواتب وعدم انتظامها في ذلك الوقت، وشروط إسرائيل بضرورة اعتراف الحركة بإسرائيل، وما قابل ذلك من رفض للحركة، ودخول القطاع بالتحديد في مواجهه مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي فُرضت عليه العقوبات، بغرض السعي إلى تغير نظام الحكم في القطاع، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، ما أدخل الحركتين في مواجهة صعبة، أفضت لسيطرة حركة حماس على القطاع، وانسحاب قيادات حركة فتح من المشهد في قطاع غزة بالتوجه للضفة الغربية.
حرصت حركة فتح على إقامة مملكة خاصة بها في الضفة الغربية، كان عنوانها الأسمى إقامة كيان فلسطيني خال من السلاح، يحمل فكر المقاومة الشعبية، ويعتمد على النهضة الاقتصادية والاستقرار السياسي والأمني، بهدف عدم تكرار تجربة القطاع، نجحت في ذلك، وبسطت سيطرتها على مقاليد الحكم في الضفة الغربية، بهدف الحفاظ على ماء وجهها وتاريخها في النضال الوطني الفلسطيني، وهي صاحبة الرصاصة الأولى، ومفجرة معركة عيلبون، وحامية المشروع الوطني الفلسطيني.
سعت حركة فتح خلال السنوات الماضية إلى إنهاء الانقسام عبر قبول جميع المبادرات العربية والدولية، وعقدت لقاءات عدة مع حركة حماس للخروج من مستنقع الانقسام، إلا أن تلك الجهود لم تنجح. وخلال تلك السنوات، أخدت الحركة على عاتقها استخلاص الدروس والعبر من نتائج الانقسام، وعقدت مؤتمرين لها لتجديد الوجوه، وضخ دماء جديدة في صفوفها، ولكن ذلك لم يساعدها على تغيير قناعة الشارع الفلسطيني في أسلوب حركة فتح، والذي انتهجته في المراهنة على الشارع الفلسطيني وتحديداً في قطاع غزة برفض "حماس" والتمرّد عليها والانقلاب عليها، ذلك الأسلوب الذي أثبت فشله، ولم ينجح، بل بات واضحاً ذلك من خلال فرض عُقوبات على موظفي القطاع واختزال رواتبهم، وعدم التزام السلطة في عديد من التزاماتها تجاه القطاع.
لن يرحم حركتي فتح وحماس لمشاركتها في تقسيم البلاد، والاستمرار في الانقسام، فغزة لا تمثل جغرافيا الوطن وحدوده ومقدساته ومقوماته الوطنية، والضفة الغربية لا تُمثل وحدها التاريخ الحافل للنضال الوطني الفلسطيني. هناك مؤسسة اسمها منظمة التحرير الفلسطينية يجب تطويرها، ودخول الجميع تحت طوعها، لأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، وهناك مدينة مُقدسة، لا زالت تحت الاحتلال تنتظر التحرير واعلانها عاصمة للدولة الفلسطينية.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)