الدبلوماسية الوطنية والدبلوماسية الرسمية

الدبلوماسية الوطنية والدبلوماسية الرسمية

13 اغسطس 2018
+ الخط -
مرت القضية الفلسطينية، على مدار تاريخها، بمراحل سياسية صعبة وشديدة الحساسية، على الصعيدين، الداخلي والدولي، فهشاشة الساحة الفلسطينية الداخلية وضعفها انعكس بالسلب على النظام السياسي الفلسطيني، في ظل تفرّد حزب السلطة ورفض التسليم بنتائج صناديق الانتخاب في 2006، ما أفضى إلى انقسام كارثي أضعف القضية الفلسطينية شكلًا ومضمونًا، وانحرف ببوصلة الوطن من التحرير إلى أهداف صغيرة، تخصّ الحفاظ على مصالح الحزب الحاكم وبقائه في سدّة الحكم، ولو تحت حراب المحتل.
ومع توالي المبادرات والصفقات التآمرية لتصفية القضية الفلسطينية، مع تسلم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الحكم في الولايات المتحدة، وجديدها صفعة القرن، أبدع المقاوم الفلسطيني العنيد شكلا آخر من المقاومة الشعبية لقطع الطريق عليها، فكان ما أٌطلق عليها "مسيرات العودة وكسر الحصار"، والتي تبناها كّل الطيف السياسي.
ومع استمرار مسيرات العودة للأسبوع التاسع عشر على التوالي، فإنها أثبتت فاعلية وقدرة على التحشيد الدولي، الأمر الذي بدا واضحًا من سيل الإدانات الدولية الواسعة للمجازر المرتكبة بحق المتظاهرين السلميين، وتحميل إسرائيل المسؤولية عن العنف والانتهاكات بحق المدنيين العزل.
قد لا تحظى هذه الإدانات بأهمية كبرى لدى المتظاهرين السلميين على الحدود الزائلة، لكنها ذات أهمية على الصعيدين، الدولي والحقوقي، فهي التي تضفي مزيدا من الشرعية الدولية على المقاومة الشعبية التي يمارسها الشعب الفلسطيني، مستندا إلى القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة. فضلا عن أنها تبني ضميرا جمعيا عالميا لنبذ إسرائيل، بالنظر إلى دول كبيرة دانت الانتهاكات والعنف المفرط الذي يرتكبه جيش مدجج بحق شعب أعزل، فهل تعير إسرائيل أهمية للرأي العام الدولي تجاه ممارساتها القمعية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل؟
بالتأكيد، تهتم إسرائيل بجدية مفرطة، فهي أحرص ما تكون على صورتها واحة للديمقراطية وحقوق الانسان أمام العالم، للحيلولة دون عزلها ونبذها في المحافل الدولية، ما يشكل عمليا ضغطا كبيرا على الواقع الميداني، لجهة الحدّ من تلك الجرائم والانتهاكات.
ولكن، ومع ضعف الواقع الفلسطيني الذي انعكس على فاعلية الدبلوماسية الرسمية للسلطة في الخارج، والتي تمثلها مئات السفارات في العالم، والتي تحولت إلى ممالك شخصية لأصحابها، لممارسة أدوار أمنية أحيانا وتجارية أحيانا أخرى، لكنها بعيدة كل البعد عن إسناد المقاومة الشعبية، سواء التي في الضفة الغربية أو تلك المنطلقة في غزة، فقط لأن من يقودها هو حركة حماس الخصم السياسي للسلطة.
يغيب الجهد الدبلوماسي الرسمي في وقت أشد ما يكون الواقع الفلسطيني بحاجة فيه إليه للتصدي لمشكلات وملفاتٍ كثيرة يعج بها الحال الفلسطيني، بدءا من ملف الاستيطان والتهويد للضفة والقدس، مروراً بملف الحصار المضروب على غزة من 12 سنة، وليس انتهاءً بملف آلاف الأسرى المغيبين في زنازين الموت منذ عشرات السنين، فضلاً عن ملف المقاومة الشعبية الذي بدأ في نعلين وبعلين في الضفة المحتلة، ثم انتقل إلى الحدود الشرقية للقطاع عبر مسيرات العودة وكسر الحصار، الأمر الذي بات يفرض على القوى الحية والفاعلة في الطيف السياسي الفلسطيني إيجاد جسم دبلوماسي موازٍ غير رسمي، مدرب ومحترف، يعايش الواقع الغربي ويتقن الحديث بلغته، بهدف تنظيم حراك دبلوماسي فلسطيني منظم ومتدرّج وواسع النطاق، يستهدف تكوين رأي عام مساند، وكسب التعاطف والتأييد الدولي على شكل قرارات وإجراءات، ويعمل على عزل الرواية الصهيونية المضلِّلة التي تُعكس الحقائق. على أن تسند هذا الفريق الدبلوماسي الموازي آلة إعلامية تتقن العزف على وتر الإعلام الجديد، وتتفنن في توظيف الصورة والقصة، توّثق الجرائم وتوظفها في آن، ليعمل الفريقان، بجهد واضح ومنسّق، على تحويل الدول المساندة للحق والراوية الفلسطينية إلى معول مساعد وذراع ضاغط، ليس في نبذ إسرائيل وعزلها في المحافل الدولية فقط، بل وفي محاسبتها أمام المحاكم الدولية المختصة، فضلاً عن العمل على مساعدة الدول الصامتة للخروج عن صمتها، لجهة إدانة ما يحدث من مجازر، ليس بالكلام، بل بالعزل والمقاطعة أيضا.
ومن الأمور التي قد تساعد في تقوية فرص نجاح هذا الجسم الدبلوماسي الموازي، وجود أجسام فلسطينية ممثلة وشرعية في الخارج، ممثلة في المؤتمرات الشعبية لفلسطيني الخارج في عدد من الدول، ووجود بيئة مواتية في دول الهوامش المؤيدة فطريا للحقوق الفلسطينية، ولديها صوت في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، مثل دول أميركا اللاتينية، ودول أفريقية كثيرة.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)