قانون الجنسية اليهودي

قانون الجنسية اليهودي

12 اغسطس 2018
+ الخط -
أعطت إسرائيل واجهة قانونية وحقوقية لوجهها اليهودي، بإصدار قانون إسرائيل الأساسي أو قانون الجنسية. وعبَّر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن موقفه من سخط الأقليات الأخرى، بالانسحاب من اجتماعه مع العرب الدروز، عندما وصف أحدهم هذا القانون بالعنصري، ونتنياهو هو المحرّض لاستصدار هذا القانون، وعينه على أصوات اليمين والمتدينين، وعندهم ما يضمن له صناديق مليئة بالأصوات.
من حيث الديباجة البلاغية، يقول القانون إن دولة إسرائيل هي الوطن القومي لليهود، وإن النشيد الوطني هو نشيد "هاتيكفاه"، وأن علم الدولة هو العلم الأبيض ذو الخطّين الأزرقين الذي تتوسطه نجمة داود السداسية، وإن يوم الاستقلال هو يوم عطلة رسمي، وعلى الدولة تشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل،.. كل هذه النقاط التي ينص عليها القانون بديهيات متداولة، بل إن عبارة "الوطن القومي لليهود" قرأناها قبل صدور هذا القانون بمائة عام في رسالة آرثر جيمس بلفور إلى اللورد روتشيلد، والمعروفة بوعد بلفور. والعلم المذكور في القانون معروفٌ على مستوى الأمم المتحدة، وكذلك النشيد. أما الهجرة اليهودية إلى فلسطين فالشاهد عليها التغوّل في إنشاء المستوطنات، وتوسيع القائم منها، فالقانون في الواقع هو قوننة سلوكيات وممارسات إسرائيلية، ليصبح ما تقوم به إسرائيل شرعياً، يستمد قوته من هذا القانون.
تبدو هناك مقاومة داخلية لاعتماد دستور إسرائيلي. وعلى الرغم من كل ما يقال عن هذه الدولة فهي تسير بدون دستور، وتحكمها مجموعة قوانين، تم استصدارها على شاكلة قانون الدولة.
تريد الحكومة الحالية أن تجد مسوّغاً قانونياً يبرّر لها التّصرفات "اليهودية" التي تقوم بها، وقد أكملت بهذا القانون صبغ فلسطين بهوية يهودية خالصة، وهو تمهيدٌ مسبقٌ لشن مجموعة من الإجراءات ضد الآخرين، لا تستطيع أي محكمةٍ نقضها، خصوصا وقد ظهرت عدائية هذا القانون تجاه اللغة العربية، وإسرائيل تعرف أنها تعيش وسط بحر عربي قادر على ابتلاعها، لغوياً على الأقل، فحوّلت اعتمادها اللغة العربية من لغة رسمية إلى لغة ذات اعتبار خاص، وهي عبارة ملتبسة، قابلة لتفاسير متناقضة، يمكن إسقاطها في مرحلة تالية.
السلوكيات اليهودية المستمدة من الديانة عريقة في إسرائيل، وقد استعارت من تراثها الديني رموزا كثيرة صبغت حياتها السياسية على شكل عمل مقصود، الغرض منه التركيز على اليهودية، بوصفها قاعدة وحيدة لدولة إسرائيل، وإضعافاً للعناصر الأخرى الموجودة، تمهيداً للتخلي عنها، وإبعادها العملي أو المعنوي. وعلى الرغم من أن الحكومات التي سيطرت على الحياة السياسية المبكرة في إسرائيل كانت ذات طبيعة يسارية، فإنها لم تقاوم الرموز الدينية التي اتخذت شعاراتٍ بارزة في الكنيست، وهو مجلسٌ دينيٌّ مذكور في "الميشناه" اليهودية، ولم يتغير عدد أعضائه المائة والعشرين منذ قيام الكيان الإسرائيلي، ورموز الشمعدان ذي الأفرع السبعة وأسد قبيلة يهوذا القوية، وأشياء أخرى كثيرة أصبحت طابعاً لإسرائيل، تستحضرها بقوة تراثها الديني، وتستبعد كل ما عدا هذه الديانة.
أصبح اليهودي فقط هو المواطن الطبيعي في إسرائيل، وكل من سواه طارئا وعرضيا، يمكن إزالته أو التخلص منه بقوة قانونية. وأصبح لليهودي تعريف مذهبي واضح، يمكّنه من العيش في دولة إسرائيل، ويمكّنه من الاحتفاظ بجنسيتها أينما كان، في عملية طمسٍ لأي مطالبة مستقبلية بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، المذكور في قرارات الأمم المتحدة، والذي تحاول السياسة الإسرائيلية طمسه ومسحه، أو التحايل عليه، وكأن صدور القانون، في هذه اللحظة، يأتي هجوماً وقائياً لما يطرح في كواليس السياسة عمّا تسمى "صفقة القرن"، ويبدو أن قادة إسرائيل يريدون تحقيق فائدة قصوى من صفقة كهذه، من دون أن يكون عليهم أي التزام أو تنازل للمكوّنات الأخرى الموجودة على أرض فلسطين. لذلك كان القانون حريصاً على عدم ذكر الديمقراطية أو المساواة، وهذا ما يوضح سبب هروب هذه الدولة من اعتماد دستور حديث، والإصرار على الحكم عبر قوانين تنظّم جوانب انتقائية من الحياة، تمكّنها من إهمال كل ما يتعلق بغير اليهود.