معركة حلا شيحة

معركة حلا شيحة

11 اغسطس 2018

حلا شيحة.. خلعت الحجاب وعادت إلى الفن

+ الخط -
"هان عليكِ؟"، "شمّتيهم فينا ليه؟"، يسأل الشيخ حازم شومان بصوت متهدّج، في مزيج من الاستعطاف والترهيب، موجهاً حديثه إلى الفنانة المعتزلة حلا شيحة، والتي أعلنت بشكل مفاجئ خلعها الحجاب، وعودتها إلى الفن بعد 12 عاماً أمضتها وهي ترتدي "شعار الإيمان"، كما وصفه شومان.
وكأن زلزالاً حقيقياً ضرب أوساط الإسلاميين، شيوخٌ تبكي، وفتياتٌ ترثي، يتلطف بعضهم ويترقق، وآخرون يغلظون القول، ويشدّدون على "إنكارالمنكر".
زوايا سياسية أيضاً، بين من كتب أن هذا دليل على أن عبد الفتاح السيسي يحارب الإسلام، وأن هناك بالتأكيد مؤامرة ما، وبين دلالات المتحدّثين كشخص خديجة بنت خيرت الشاطر، الرجل الأخطر في تنظيم الإخوان المسلمين، التي ناشدت حلا بوصفها صديقتها، وتوأم روحها، قائلة "اليوم أحباب الرحمن يبكون ينفطر قلبهم حزنا ويقتلهم الأنين". وعلى الطرف الآخر، احتفى بعضهم بشدة بعودة حلا شيحة أخيراً من كهوف الظلام. وفي الوسط ما زال هناك من يتعجبون من ردود الأفعال، قائلين إنه مجرّد قرار شخصي عادي، والحقيقة أن غير العادي هو تجاهل عقود من هذا الصراع الرمزي.
كان الإسلاميون كثيراً ما يتفاخرون بعظمة أثرهم في المجتمع المصري، بأنه كانوا سبباً في تحجيب كل النساء، دلالة الانتصار المجتمعي والفكري، خطوة إلى "التمكين" السياسي، ولو حصلوا منا على مقاعد الحكم، فقد حصلنا منهم على نشر سمْتنا في المجتمع، بما فيه اقتحام أعتى معاقلهم، وهكذا كانت نسخة عمرو خالد ورفاقه موجهةً تحديداً إلى شريحة الأغنياء وذوي النفوذ.
سنوات طويلة، تعرّضت غير المحجبات من الطبقات الوسطى والدنيا إلى صنوف التنكيل المجتمعي، زوجها ووالدها "ديّوث" لا يغار على أهله، ويوجّه لها اللوم أنها "ستوقف سوق أختها"، أي ستمنع زواجها، قد يتعرّضن من أهلهن للضرب والحبس.
أما غير المحجبات من الطبقات العليا وفئات الفنانات ونحوها، فهن في وضع حمايةٍ أفضل اجتماعياً، بل ربما بالعكس تعرّضت المحجبة للضغوط من أسرتها التي ترى هذا المشهد لا يليق بمستواها الاجتماعي، وفي بعض الحالات، حُرمن من وظائف أو أماكن معينة. وفي المقابل، يلقين قصفاً عنيفاً تنميطياً، باعتبار كل هذه الأوساط من العاهرات، أو حتى الكافرات، كما لمحت رسالة أخرى ممن وصفت نفسها صديقة حلا في كندا، والتي قالت إن حلا انتكست إلى أوساط الكفار، لأنها لم تكن ثابتة أصلاً، فلم تكن تكفر الطواغيت والنصارى، على الرغم من محاولاتها إقناعها!
وفي تنوع تيارات الإسلاميين المؤثرين الذين اقتربوا إلى هذا الحد من حلا دلالة أخرى. كانت الفتاة صيداً لهم، يتنافسون عليها، يريد كلٌّ منهم أن يستثمر رأس مال شهرتها (المتواضعة في النهاية!) لصالح تياره، فقد كانت حلا ساحة للصراع الإسلامي العلماني بقدر كونها ساحة للصراع الإٍسلامي الإسلامي أيضاً.
ولكن مما غاب عن الجميع أن عوامل اجتماعية وسياسية وتاريخية تتداخل دائماً بما يفوق العوامل الشخصية. واليوم يعلن بابا الكاثوليك في روما أنه ضد عقوبة الإعدام، ويطلب الرحمة للمثليين، بينما هو يجلس على مقعدٍ كانت تصدر عنه أوامر إحراق البروتوستانت أحياء، وتخرج من أمامه حملات صليبية ضد ملوك مسيحيين، فضلاً عن الحملات ضد البلاد الإسلامية. بالتأكيد، لا يعود هذا إلى اختلاف شخصيات البابوات، كما لم يتغيّر الكتاب المقدس فجأة، لكن ما تغير هو العالم والعصر والسياق الاجتماعي لشعب الكنيسة.
وفي مصر، كانت "الصحوة الإسلامية" رد فعل تلقائياً لنكسة 1967، نشأت في الجامعات بينما الإخوان المسلمون جميعاً في السجون، جيل جديد بأفكار مرتبكة ومتداخلة، انتهت بانقساماتهم إلى مدارس عدة لاحقاً. واليوم نشهد ردة فعل عكسية لتجربة حكم "الإخوان" محلياً ولتجربة داعش إقليمياً. وفي انتظار الوصول إلى نقطة التعادل، لتصبح فعلاً قرارات كهذه ارتداءً أو خلعاً مجرّد أمور شخصية، سنشهد مراراً مشاهد الصراع في ساحات أجساد النساء.