هذه الاتحادات للكتّاب العرب

هذه الاتحادات للكتّاب العرب

10 يوليو 2018
+ الخط -
كان مؤسفا مشهد الفوضى في جلسة افتتاح المؤتمر العام لاتحاد كتاب المغرب، في طنجة أخيرا، فلم يكن سجالا حادّا بين المؤتمرين، وإنما إشهار اتهاماتٍ مسترسلةٍ، بألفاظٍ جارحةٍ، استهدفت رئيس الاتحاد، الناقد عبد الرحيم العلام. وفي الوسع أن يُسوَّغ مشهدٌ كهذا، لو أنه جاء تعبيرا عن انفعالٍ طارئ أو توتّر عابر، لكنه دلّ على مقادير اهتراءٍ ليست هينةً تضرب في الاتحاد المغربي، والذي طالما حظي بتقديرٍ عربيٍّ واسع، بالنظر إلى حيويته التي كان عليها، واستقلاليّته، والمستوى الرفيع لقياداته، غير أن هذه الصورة ما انفكّت تهتزّ، حتى بدت فوضى افتتاح المؤتمر التي تسبّبت بتعطيل أعماله شاهدا على ما وصل إليه حال الاتحاد العتيد، ويبعث على الأسى.
وفي مدينة البيرة الفلسطينية، التأم المؤتمر العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، الخميس الماضي، (دورة الشاعر الكبير أحمد دحبور)، وشهد انتخاب أعضاء أمانةٍ عامةٍ جديدةٍ، كلهم من قائمةٍ واحدةٍ، فبدا تزكيةً لهم، وذلك بعد قرارٍ برفع عددهم من 18 إلى 21، وجرى الأخذ بالمقتضيات الإجرائية المعهودة، حيث تلا الأمين العام المنقضية ولايتُه تقريريْن مطلوبيْن، وأفاد بأن الرئيس محمود عباس خصّص قطعة أرضٍ لبناء مقر مستقل للاتحاد. وفي الأثناء، لوحظت قلة المشاركين في المؤتمر، وغياب أسماء أدبيةٍ رفيعةٍ عنه، ما كشف عن ازورارٍ واسعٍ ليس فقط عن هذا الجمع ومناسبته، وإنما أيضا عن الاتحاد نفسه، إما صدورا عن مواقف انتقاديةٍ، بعضها محقّ، أو عن نقصان القناعة بالجدوى من هذا التكتّل الأهلي، والمفترض أن تكون له صفتُه التمثيلية للكتّاب والأدباء في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو لمزاج الكسل الذي قد يعود إلى شعورٍ بأن الأمور محسومةٌ لفلان وعلان، وبأن هذا الاتحاد ملتحقٌ بجهةٍ محدّدةٍ في السلطة الفلسطينية. وهذه كلها أسبابٌ وجيهةٌ، فأعضاء الأمانة العامة الجديدة من قائمةٍ واحدةٍ، وفازوا باقتراع أقليةٍ من الأعضاء، واستنكاف كثيرين عن الحضور (وإنْ بتحقق النصاب)، وقد جرى توافقٌ عليهم في انتخابٍ تمهيديٍّ في حركة فتح، ثم انعقد تفاهمٌ فصائلي بصدد البقية.
بين مؤتمري طنجة لاتحاد كتاب المغرب، والذي لم يستكمل أعماله، والبيرة الفلسطيني الذي تعرّضت "عقلية الهيمنة والاستحواذ" فيه إلى انتقاداتٍ واسعة، بحسب بعضهم، استضافت بغداد اجتماعا للمكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، بغياب الأردن والمغرب والبحرين، انتبهت بعض الصحافة إليه، نظرا إلى انعقاده في العاصمة العراقية، بعد غيابٍ عنها طال نحو عشرين عاما، من دون كثير اكتراثٍ بما شغل المؤتمرون أنفسَهم به. وقد شهد ندوةً عن "ثقافة التنوع في مواجهة ثقافة العنف"، ما أكّد مواظبة الاتحاد المذكور، في طوْره الراهن، على الحكي الكثير عن العنف والإرهاب ومواجهتهما ثقافيا، من دون أن يحفل أحدٌ بما يقوله المنتدون في مؤتمرات الاتحاد في موضوعيْه هذين. غير أن من أطرف ما بدر من اجتماع مكتبه الدائم أنه حجب جائزة الشخصية المدافعة عن الحقوق والحريات، لعدم وجود مرشّحٍ تنطبق عليه الجائزة. وبذلك، في الوُسع أن يقال، من دون تحرّز، إنه يتعذّر العثور على مرشحٍ، يكون على مزاج أمين عام الاتحاد، الإماراتي حبيب الصايغ، والذي نجح بكفاءةٍ في أن يجعل هذا الاتحاد العربي ملحقا بأبوظبي. ومن غرائب تقرير "حال الحريات" الذي أذاعه اجتماع بغداد إدانَته اعتقالات كتّابٍ ومثقفين، بسبب آرائهم وأفكارهم وتدويناتهم، وهذا محمودٌ، لكن التقرير لا يأتي على أي واحدٍ منهم، فيُبقي على إنشائيته الرتيبة إياها، على غير ما فعل مرةً بيانٌ للاتحاد جاء على شاعر قطري بالعامية، حُبس بموجب حكم قضائي (ثم تم عفو عنه)، وعلى غير ما فعلت بياناتٌ أخرى خصّت تراجع حركة النهضة انتخابيا في تونس بالتثنية، وباركت للمصريين رئاسة عبد الفتاح السيسي لهم. أما الاتهاماتُ الشنيعة التي أشهرها النائب الأول للأمين العام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، عبد الرحيم العلام، ضد الصايغ، ورئيس اتحاد كتاب مصر، علاء عبد الهادي، تعقيبا على إعفائه في اجتماع بغداد من موقعه نائبا أول، فسببٌ آخر لسؤالٍ تُجيز طرحَه الوقائع أعلاه: بحق، لماذا هذه الاتحادات؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.