الغرب وتركيا في ظل أردوغان

الغرب وتركيا في ظل أردوغان

10 يوليو 2018
+ الخط -
كيف ينظر الغرب إلى تركيا بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثانية مع صلاحيات موسعة، وهل ستنحو العلاقة إلى مزيد من الانفتاح أم إلى تضارب المصالح؟
لتركيا شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، فهي موجودة في حلف الأطلسي، وموجودة في قلب أوروبا، وموجودة في قلب موسكو عبر صفقات سلاح وخطوط غاز، وهي موجودة في قلب الشرق الأوسط أيضا، وهي دولة امبراطورية ذات ديمقراطية عميقة موجودة في عدد من القارات، نفوذا وتأثيرا.
الإسلام يتمدد حاليا عبر جاليات تركيا المتنامية في أوروبا، وستبقى العلاقات التركية الأوروبية متشنجة ما لم تدخل الاتحاد الأوروبي الذي تضع بريطانيا وفرنسا فيتو على دخولها فيه، لكن أوروبا بحاجة إلى تركيا، ولا تستطيع الاستغناء عنها جسرا بين الشرق والغرب. كما ليس من الوارد خروج تركيا من حلف شمال الأطلسي، مهما عقدت من صفقات سلاح مع روسيا.
مستقبل علاقات تركيا مع وأوروبا عميقة جدا، حتى وإن اختلفت المصالح، فالاستثمار الألماني والفرنسي في تركيا كبير جدا، وهم غير مستعدين للتضحية بها من أجل الخلاف السياسي بشأن هذه القضية أو تلك، فالعالم تحكمه المصالح، ولا تفرقه الآراء.
تركيا مرتاحة داخل حلف الأطلسي وستبقى، لأن خروجها منه يعني بالضرورة أن تدخل حلف روسيا أو أن تبني حلفا مستقلا، وتركيا ليست في وراد فعل ذلك في ظل ظروف اختلال موازين القوى وإعادة رسم خرائط المنطقة.
تركيا في طريقها لتصبح دولة عظمى، اقتصاديا وعسكريا، في ظل ولوج الشرق الأوسط في جملة من المشاكل الكبيرة، وذلك في ظل تزحزح الحدود وتلاشي الدول.
ما زال حلف شمال الأطلسي مهما لأوروبا، وما زال معنيا بوجود تركيا المتقدمة اقتصاديا وعسكريا، ولا تستطيع أن تنفصل أوروبا عن أميركا في هذا الموضوع، فأميركا وأوروبا في سلة واحدة في نظرتهما إلى تركيا، ولا نستطيع إسقاط أي خلاف سياسي حول قضية هنا أو هناك على المصالح الاستراتيجية بين تلك الأطراف المتحالفة.
تركيا بشرائها منظومات روسية لا تبحث عن بديل لأميركا، بل عن تحصين نفسها، وعن التنوع الذي يحصنها من الابتزاز الغربي، فهي بحاجة لتعزيز قدرات دفاعاتها الجوية، وما لم تحصل عليها من أميركا فمن حق تركيا الحصول عليها من الصين أو روسيا أو غيرها، الأمر الذي لا يعني معاداة أميركا التي عليها أن تحترم السياسة الخارجية لدولة كبيرة مثل تركيا.
من الواضح بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة أخيرا، أن أميركا وتركيا بحاجة إلى التحدث مع بعضهما بشكل أوسع، فأميركا وروسيا عملاقان كبيران، ولهما مصلحة مشتركة في جني الأرباح من تركيا التي تتطلع لأن تكبر بهما، وليس على حسابهما في هذه المرحلة.
وأميركا تفهم تركيا جيدا، وتفهم قيم التحالف مع تركيا لـ 75 عاما وتفهم عمق ديمقراطيتها ومعاملتها الجيدة للاجئين كحائط صد عن أوروبا.
لدى تركيا تعاون عسكري كبير مع الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لدى الأتراك مسؤوليات أمنية في حماية مطار كابول، كما لديها قاعدة أنجرليك التي تقدم خدمات استراتيجية لأميركا في المنطقة.
لن يتم خدمة مصالح تركيا بارتباطها مع روسيا وإيران، فإيران رفضت الطلب التركي بالعمل معها في جبل عفرين على سبيل المثال، وروسيا وإيران لم يعطوا تركيا أي دور في عملية السلام داخل سورية، فتركيا تبحث عن فرصة في العمل بشكل أكبر داخل سورية، وهي فرصة لن تحصل عليها إلا بنفوذ أميركي غربي.
في ظل ولاية أردوغان الثانية، من المتوقع أن تسير الأمور بين تركيا وواشنطن فيما يخص الملف الفلسطيني ونقل السفارة إلى القدس، فتركيا إلى جانب أكثر من 120 دولة وقفت ضد القرار الأميركي بنقل السفارة، وهذا لا يعني معاداة أميركا، لأن هذا القرار مخالف لقرارات الأمم المتحدة من جانب، ومخالف لالتزامات دولية بأن لا تنقل السفارات إلى القدس المحتلة، فهذا الملف سيبقى مفتوحا ليس مع تركيا فقط بل مع 120 دولة أخرى.
سيتمكن أردوغان الذي يسير بتركيا وسط حقل من الألغام من الخروج بتركيا أكثر قوة واستقرارا.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)