هزيمة الغرور في المونديال

هزيمة الغرور في المونديال

09 يوليو 2018
+ الخط -
خرج منتخب البرازيل من نهائيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا، ليكتمل بذلك عقد الفرق الكبرى التي غادرت، ولينضم منتخب السامبا إلى ألمانيا والأرجنتين وإسبانيا والبرتغال والأوروغواي. في حالة نادرة لم تحدث في البطولات الكبرى منذ عقود، أن يسقط الكبار تباعاً من دون الوصول حتى إلى المباريات النهائية الأربع.
لم يتبق من المنتخبات الكبرى العريقة كروياً سوى فرنسا وإنكلترا، وإن كانت فرنسا قد صارت إحدى الفرق المرشحة للبطولة، لكن تصنيفها لم يكن كذلك حتى قبل بدء المنافسات بأيام، فقد وصل منتخب الديوك إلى النهائيات بصعوبة بالغة وفي اللحظات الأخيرة.
خيبت الفرق الكبرى آمال كثيرين من مشجعي كرة القدم في العالم وتوقعاتهم، وربما مثلت خساراتها المتلاحقة صدمةً للمشجعين العرب أكثر من غيرهم، وهم الذين كانوا سيجدون في الاستمتاع بالفرق الكبرى تعويضاً نفسياً عن خروج الفرق العربية، ولكن ما حدث أن منتخباتٍ يفترض أنها ليست أفضل من فرقنا العربية تفوقت حتى على المنتخبات العريقة في العالم.
لم يكن خروج الفرق الكبرى الظاهرة الوحيدة الجديدة، فقد شهد هذا المونديال ظواهر أخرى غير مسبوقة، من أبرزها أنه شابت أداء معظم تلك المنتخبات الكبرى ثقة زائدة وصلت أحياناً إلى حد الغرور، خصوصا من الفرق التي تضم لاعبين من طراز خاص، مثل نيمار في البرازيل ورونالدو في البرتغال وميسّي في الأرجنتين. ومن المفارقات أن بعض هؤلاء النجوم تحديداً أسهموا بالفعل في اجتياز فرقهم الدور الأول في مبارياتٍ صعبةٍ وتوقيتاتٍ حرجة، بجهود فردية ومهارات فوق العادة، غير أن هؤلاء النجوم أنفسهم، رونالدو وسواريز وأخيراً نيمار، لم يكونوا على مستوى التوقعات في الأدوار التالية. أما ميسي ومولر وكوستا، فقد سقطوا مع فرقهم في الدور الأول. وكان هؤلاء اللاعبون، في نظر مشجعي الكرة في العالم، كما لو كانوا يملكون عصا سحرية، تتيح لهم التحكم في نتائج المباريات، وتحقيق الفوز لفرقهم، أياً ما كان مستوى الأداء.
وفي مقابل تراجع تأثير اللاعبين النجوم في نتائج المباريات، وإخفاق الرهانات عليهم، ظهر دور كبير للمدربين والخطط التكتيكية. وللمرة الثانية، تظهر المفارقة، بين مدربي المنتخبات الكبرى التي سقطت بفعل سوء إدارة مدربيها للمباريات وأخطاء التشكيل، مقابل نجاح كبير حققه مدربو المنتخبات الصغيرة والمتوسطة في التصنيف العالمي، فقد أكد الأداء المتميز والممتع لفرق مثل المغرب والسنغال وكرواتيا وبلجيكا والمكسيك أن للمدرب الدور الجوهري في صقل مهارات وقدرات لاعبيه وإظهارها، أو إهدارها وتضييع جهدهم أياً كانت إمكاناتهم. تماماً كما كان لمدرّبي مصر والسعودية وإيران دور جوهري أيضاً في ظهور تلك الفرق بشكل مُخزٍ. ولكن، للإنصاف، لم تقتصر الاستهانة بدور المدرب على الفرق العربية أو غير المصنفة، فقد أطاح الاتحاد الإسباني مدرب المنتخب قبل بدء المونديال بيومين فقط. في تصرف يفتقر إلى أدنى مستويات الحكمة وأقل مقومات حسن الإدارة. والسبب أن المدرب تعاقد على تدريب نادي ريال مدريد بعد كأس العالم، وهو أمر لم يكن يستحق إطاحة الرجل، وإرباك المنتخب في توقيت شديد الحرج.
كشف مونديال روسيا أوزان الفرق وقدراتها الحقيقية، ليس بمكاييل الطنطنة والتهليل الأجوف، وإنما بمعايير الجهد والتخطيط والإدارة السليمة. وأكد أن النجاح والتفوق ليس للمغرورين، ولا لأدعياء التفوق والريادة، ولا للنماذج التقليدية من المنتخبات العريقة، المرشحة دوماً وتلقائياً للبطولات، وليس أيضاً للاعبين الكبار الأفذاذ، فقد فوجئت الفرق الكبرى في مونديال روسيا أن فوزها ليس مضموناً مسبقاً أو منحة مجانية دائمة، واكتشف نجوم العالم أنهم، في النهاية، لاعبون ليس أكثر، وأن لقدراتهم حدوداً.
إن كان من درس بليغ في ذلك فهو أن النجاح المرهون بكاريزما أو موهبة فذة وقدرات خارقة هو نجاح استثنائي ومؤقت، مهما طال أمده. بينما الأصل في الأشياء أن للنجاح مقومات موضوعية، لا ترتبط بأشخاص. وللتقدم مسارات وآليات مُستقرة، لا ترتهن بعوامل ظرفية أو حالات استثنائية، كروية أو غير كروية.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.