هذه السيرة الذاتية

هذه السيرة الذاتية

09 يوليو 2018
+ الخط -
غابت أخيرا عن صفحات الصحف الفلسطينية إعلانات التوظيف، وحضرت بدلا منها صور القيادات الفلسطينية بأشكالهم المختلفة، إذ تُزين تلك الصحف صور القيادات، وتُمجد بطولاتهم الوهمية في التسابق على إصدار بيانات التنديد والتعليق على الأحداث، وهم لا يُحسنون صناعة فرصة عمل واحدة، يعيش منها أحد خريجي الجامعات الفلسطينية الذين أرهقهم الانتظار في طابور البطالة، ولأخد فرصتهم في بناء الوطن.
ليس سهلا الحصول على وظيفة أو فرصة عمل في السلك الحكومي في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إلا إذا كُنت أحد الموالين، لأحد القيادات إلى درجة أنك تُسحج ليل نهار باسم القائد المُفدى الذي عجزت نساء الأرض الإنجاب بمثله!
لذلك تحتاج صناعة السيرة الذاتية لمجهود خُرافي، من أجل إقناع السادة المسؤولين، بأحقيتك في وظيفةٍ تُؤمن لك مستقبلاً مُستقراً، تحلم من خلالها بصناعة بيت وتتزوج وتُنجب الأطفال. لذلك لا أستغرب كثيراً من منشورات الأصدقاء الذين يُطالبون بضرورة كتابة ملخصٍ عن حياتهم في السيرة الذاتية، والتي تتلخص "أنا أعيش في غزة"، تلك العبارة كافية وحدها بأن تحصل على أي وظيفة يتم الإعلان عنها.
في السيرة الذاتية، عليك أن تكتب أنك تُصلي الصلوات الخمس في المسجد، وعليك أن ألا تنسى أن يكون أحد أقاربك وزيراً أو قائدا في أحد الفصائل. وفي السيرة الذاتية، عليك أن تحصل على تزكية من التنظيم، وورقة عضوية، وبرقية عاجلة وتوصية طارئة، وتبحث عن حرف "الواو" وتدفع له ما تيسر من المال، فهذه الطريقة المثلى للحصول على وظيفة.
وعليك عزيزي الخريج، الباحث عن وظيفة أن تُحسن من سيرتك الذاتية، وتُطيّب عطرها، وتسندُ ظهرها بهذه المعطيات، لأنه من دونها لن تحصل على وظيفة، وستبقى في طابور البطالة والعاطلين عن العمل. تلفحك شمس الصباح، وأنت واقف على أبواب أمراء السوء.
للأسف الشديد، غابت في المجتمع الفلسطيني مسألة الرقي بالإنسان، ويتم الآن صناعة نوعية جديدة من المواطنين، وهم أشبه بالعبيد، من أجل تنفيذ سياسات وأفكار الأحزاب، بعيداً عن تكوين وتطوير أُفق استنباطي يجعل من الإنسان مُفكرا، وليس مُنفدا.
انعكاسات الحالة السياسية الطاغية على تفكير الشباب والمؤسسات الحزبية التي ينتمون إليها، أخرجتهم من دائرة صناعة القرار، إلى دائرة القبول بأفكار الآخرين، من دون التفكير في مُخالفة الرأي، أو التفكير خارج الصندوق، وهذا ما جعل مجموعة من الحمقى يُفكرون بديلاً عن المجتمع، هم يصنعون مجدهم الشخصي، والشعب يدفع ثمن ذلك المجد من دمائه وتضحياته.
التفكير الفطري بمثابة حلقة مفقودة بين أركان المجتمع الفلسطيني، فمجرد الاختلاف في الرأي ما بين اثنين، يبدأ الشجار والعراك والصراخ. نحن نبحث عن مؤيدي الآراء ونزجر المختلفين معنا، خوفاً على مكانة مجتمعية أو سياسية، وبتلك الطريقة لا يُمكن بناء مجتمع ناضج فكرياً يتمتع بسمة الدولة المدنية، القادرة على مواجهه التحديات والعقبات، ولها القدرة على صناعة الإنجازات والارتقاء بالمستوى الفكري داخل أروقة مؤسساتها الشعبية والمدنية.
كيف يمكن أن يعيش المجتمع بصحة ويبني حضارة فعالة لها قيمة اجتماعية ووطنية، وهو يُنكر على نفسه التقدم والتطور، لا يمكن صناعة دائرة من الولاء لمجموعة من الفقراء، لا يجدون قوت يومهم، في ظل ثورة التضليل والتخوين الفكري والوطني التي تقودها الفصائل الفلسطينية.
ختاماً، يتعايش معنا سرطان الولاء الأعمى، للقيادات الفلسطينية التي أوصلتنا إلى مرحلة الضياع، وبات الوطن، في ظلّ وجودهم، صورة قاتمة وظلام دامس، وباتت الوحدة الوطنية أسمى أمانينا، وبات رغيف الخبز مرهون بالكرامة، فقد اشتعلت النار تحت شطري الوطن، وبات كحبة الفول التي تنصهر بواقع الحرارة، لتنقسم إلى قسمين، قسم تحت الحصار وآخر تحت الاحتلال. هذا حال الوطن في ظل تلك القيادات، ولا أستثنى منها أحدا، فكلهم شركاء في الجريمة، وكلهم شركاء في صناعة الانقسام، وإذا استحق الأعداء الغلبة علينا، ليس لقوتهم وجبروتهم وعلمهم، بل لأننا غُثاء.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)