شيوخ تويتر

شيوخ تويتر

05 يوليو 2018
+ الخط -
أعادت الحادثة التي تعرّض لها إمام الحرم المكي، عبد الرحمان السديس، قبل أيام في سويسرا، حين تعرض لأسئلة محرجة عن دوره في ترويج فتاوي تلائم السلاطين، الجدل بشأن صورة الأئمة والعلماء في المشهد السياسي، والدور المنوط بهم في تنويم الأمة بمزيد من مسكنات "ولي الأمر وعدم الخروج عن الحاكم". كما سلّط الأمر الضوء على السياقات الجديدة لنظرة العامة إلى هؤلاء، بفضل تحرير التقنية والأنترنت، إذ كسرت وسائط التواصل الاجتماعي هالة التقديس لدى دعاة أنتجتهم القنوات الفضائية، وفرضتهم سنوات طويلة على المشاهدين، وقدمتهم في صورة ملائكية مزيفة.
تأتي هذه المشهديات بعد أسابيع على مرور الذكرى العشرين لرحيل العلامة محمد متولي الشعراوي 1998، أحد الرجال الذين كافحوا التصحر الديني، قبل ميلاد شيوخ دعايات دجاج رمضان، وتعالوا نحضن بعض في "فيسبوك"، وغزوات "تويتر"، وأئمة تقديم الفتوى لملوك ورؤساء عاثوا في الأرض فسادا ونفخهم على أنهم رسل السلام والحرية.
انتقل الشعراوي من حلقات الذكر في القاهرة إلى السعودية فأميركا ثم الجزائر أستاذا، عالما، وكيلا، فوزيرا ثم عاد إلى المساجد، وما بدل تبديلا. وكان الراحل من طينة ابن الطاهر الجزائري، المغيلي وابن محرز الوهراني، وبلكبير، لذلك لا فهم للدين من دون منهاج، لدعاة متحرّرين من قيود التقليد والتكرار إلى غاياته الحقيقية، في تطريز القلب بالإضاءات المشهدية الباهرة.
لا زال مقام سيدنا إبراهيم شاهدا على الشيخ الشعراوي، عندما قرّر الملك سعود تحريكه من مكانه لإعاقته الطواف، فوافقه جميع علماء العالم الإسلامي عدا الشعراوي الذي قال "لا" كبيرة، وكتب خطابا طويلا بالأدلة، وهو مجرد أستاذ غير معروف في كلية الشريعة، قابله الملك سعود قائلا: "إن المقام كبير ويعيق الطواف زحاما ودم المسلمين أولى بصونه، وقد أبعد من مكانه زمن رسول الله والصحابة"، فرد الإمام: أن الرسول يجاز له، ما لا يجوز لغيره، واقترح هدم روضته الكبيرة ثم هندسة قبة نحاسية بلورية صغيرة صفراء لا تعيق الطواف، وقد أخذ بالاقتراح، ودشنت القبة في زمن الملك فيصل قبل خمسين عاما. ولا زال المقام شاهدا عليه إلى يوم الناس هذا. كما شهدت عليه واقعة حسني مبارك الذي حاول استغلاله في ترشحه الانتخابي، فقدم له الراحل درسا وعظيا تتناقله الأجيال.
أما شيوخ العصر الحديث، فمعظمهم من شيوخ "تويتر"، هم لا يقولون "لا" مطلقا، دورهم مثل المحوّل الكهربائي القديم المليء بالأسلاك الضعيفة الشائكة وسواد الزيت، مهمته رفع الضغط والتوتر لتوزيع كبته الديني على البيوت بقسطاس، يولدون أمام الكاميرا، ويموتون أمامها ومنها، تلقوا علومهم بالتكرار و"الهاشتاغ" من التابعين وتابع التابعين.
كتبهم تغريدات فيها يلوكون كلاما محفوظا، مبتغاهم الحصول على مقامات وحصص جديدة من ولاة أمورهم وبرامج رمضانية، نافست الصحفيين والفنانين والمداحين، كما أن محاضراتهم "صوتية"، مثل أدعية "فيسبوك" كثيرة الحروف، قليلة المعاني، فهل يستوي شيوخ مساجد ولدوا في المنابر والحلقات مع شيوخ "تويتر" الذين أنتجهم التلفزيون، وفضحتهم الإنترنت؟
56EAB6B5-094D-4AA5-BC67-4BFCF9368C75
56EAB6B5-094D-4AA5-BC67-4BFCF9368C75
الحسن حرمة (الجزائر)
الحسن حرمة (الجزائر)