الإبداع بالترقيع المكشوف

الإبداع بالترقيع المكشوف

31 يوليو 2018
+ الخط -
صارت الكتابة الإبداعيَّة في عصْرنا مُتاحة لكثيرين، مع اختلاف في ولوج محْرابها. وهنا نميّز بين من يأتيهِ الإبداع إلهاما من قضايا الواقع ومجرياته، بعد أن خَبِرَ دروبه، وتعلّم من عثراته واستنجد بالسابقين له فيه، وبين من يلج عوالم الإبداع ادعاءً، ولأغراضٍ معيَّنة، بعيدة عن نية الإجادة والإمتاع والإفادة، حيث نجد هذا الصنف لاهثا وراء انتشار اسمه في عالم المشاهير، فيلجأ إلى الانخراط في عالم الإبداع بوحشية من لا يخاف إيذاء الآخرين، حين يقتص من إبداعاتهم، من دون أن يبذل جهداً، ولو في تحويرها كي تنسجم مع تضاريس أسلوبه الخاص، بل يقتطع ويقطف ما لذ له وطاب من حدائق النصوص، ليهدي ما اقتطفه إلى قرّاء سرعان ما يكتشفون نهجه البغيض.
ومن العيب، ومن أكبر الشرور، أن تقتبس من منتوج الآخرين فقراتٍ بألفاظها وعلامات ترقيمها من دون الإشارة إلى مصدرها اعترافا بذاك الاقتباس.
لقد صرنا في زمن التكنولوجيا المتطوّرة بمحاسنها ومساوئها، ومن محاسنها جعل الثقافة واستهلاك الإبداع وإنتاجه متاحا للجميع للصغار والكبار، للمحترفين والهواة، للأكاديميين والعاديين. ومن مساوئها صرف الجميع عن التثقيف المتطلب للصبر والأناة، بفتح أبواب الغث والخطير من صور إباحية وأفلام خليعة، وحوارات عقيمة، وألعاب كثيرة جدا، فصار فعل التثقيف ضامرا مقزّما، فلا وقت للناس، كي يقرأوا كتابا من بدايته حتى نهايته، ولا يطيقون قراءة مقال يتجاوز صفحة أو صفحتين. وهنا يأتي الإنتاج الإبداعي كي يسير تبعا لما سبق، مُسْتَسْهلا وبلا جذور راسخة تمدّه بالحياة الحقيقية كي ينبت ويورق ويزهر طبيعيا لا اصطناعيا.
وهنا برز المبدعون المرقّعون الذين يُركّبون إبداعاتهم المختلفة، انطلاقا من اللصق بعد القص وبلا بذل أي مجهود، لا في الترتيب ولا في احترام نسيج الموضوع العام لما يكتبون.
وذلك كله من أجل نقش أسمائهم في ثنايا بعض المجلات والصحف، إن لم تنتبه إلى أفاعيلهم الخادعة.
للإبداع أصوله وجذوره وطقوسه وأصحابه الذين يُجلّونَه، لأنه جزء منهم ومن حياتهم، فلا يجب المساس بإبداعاتهم، ولا الاقتطاع منها من أجل إبداعات مصطنعة، لا ذوق ولا رائحة الفن فيها.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني