ما بعد 8 يوليو في الكويت

ما بعد 8 يوليو في الكويت

30 يوليو 2018

مجلس الأمة الكويتي عند حادثة اقتحامه في 16/11/2011 (Getty)

+ الخط -
أصدرت، يوم 8 يوليو/ تموز الحالي، محكمة التمييز الكويتية في قضية "دخول مجلس الأمة نوفمبر 2011" حكماً بسجن نائبين حاليين في البرلمان، هما جمعان الحربش ووليد الطبطبائي، ونواب سابقين، منهم مسلم البرّاك وفيصل المسلم ومبارك الوعلان وخالد الطاحوس وفهد الخنة وسالم النملان، ونشطاء سياسيين، وتتراوح الأحكام ما بين سنتين وثلاث سنوات وستة أشهر. والكلام في هذا الحكم وتداعياته السياسية لا يتشابه، والمجتمع الكويتي ما بين مؤيد ومعارض له، لكن هذا لن يغير من الواقع شيئا. ما قبل 8 يوليو ليس كما بعده، فالحكم حرّك ساكنا ومسكوتا عنه، فلم يعد الاختلاف على وصف حادثة 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 إن كانت دخول البرلمان أو اقتحامه مسألة قائمة، كما كانت في السابق. المشهد السياسي الحالي مليء بمستجدات عديدة، أهمها توجه المعارضة السياسية الراهن (إن جاز وصفها بهذا المصطلح)، لا سيما بعد سفر أقطابها قبل صدور الحكم، بحقهم إلى خارج الكويت.
تمر أطروحة المعارضة السياسية بعد 8 يوليو في مخاض عسير، مختلف تماماً عن التحديات التاريخية السابقة، و يبدو أنها قائمة على طريقين، العفو الشامل الذي يصدر من البرلمان الكويتي بصيغة قانون، أو العفو الخاص وهو حق لأمير البلاد. وشتان ما بينهما حسب المادة 75 من الدستور الكويتي، فالأول يؤدي إلى محو الجريمة تماماً، لأنه بمثابة الحكم بالبراءة، والآخر لا يمحو الآثار الناتجة من الحكم الجزائي، وصدوره يعني عدم تمكّن الأعضاء السابقين والحاليين الذين صدر بحقهم الحكم السابق من الترشح لعضوية مجلس الأمة.
مسألة مهمة ينبغي التطرق لها، مع العلم أن الكتابة عنها لن تضيف أي تغيير عليها كواقع، ولكنها متروكة لمختلف القراءات، وقد أشبعت تحليلاً وطرحاً وكتابةً، وهي أسباب دخول مجلس الأمة التي كانت بمثابة ردة فعل لحجم قضية الإيداعات المليونية (حفظتها النيابة) في عهد رئيس الوزراء الأسبق، ناصر المحمد الصباح، كما أن دخول أعضاء في مجلس الأمة وناشطين سياسيين إلى المجلس لم تكن حادثة مخططا لها مسبقاً كسببها.
ما سبق جزء من قناعة راسخة لدى بعض الفاعلين السياسيين الذي يدفعون باتجاه العفو الشامل. وهناك من يرى ضرورة هذا الخيار لبداية سياسية جديدة وطي صفحة الماضي، وآخرون (نواب، وتيارات سياسية، نشطاء سياسيون... إلخ.) ما زالوا متذبذبين بين العفوين، الشامل والأميري الأقرب لديهم، لاعتقادهم أن العفو الشامل ليس مستحيلاً، لكنه صعب للغاية في ظل تركيبة البرلمان الراهنة، أي أن طبيعة ميزان القوى لا تخدم هذا الخيار. ولكن هذا لا يعني انعدام أي تدبير سياسي برلماني إزاء هذه القضية (استجواب رئيس الوزراء)، وهذا ما يحرص عليه بعض الأعضاء والنشطاء السياسيين الداعمين للعفو الشامل، لا سيما بعد بيان دعم العفو الشامل الصادر عن بعض النواب.
تحكم المرحلة الراهنة ثلاثة سيناريوهات. الأول: في حالة إصدار قانون العفو الشامل ستشهد خريطة التيارات السياسية في الكويت عدة تحولات، أبرزها انتقال بقية التيارات السياسية من المقاطعة إلى المشاركة السياسية في مجلس الصوت الواحد، واعادة ترتيب الصفوف الداخلية. الثاني: قد تنتج من العفو الأميري انشقاقات داخلية من بعض التيارات السياسية، وقد تؤدي إلى تأسيس حركات وكتل سياسية جديدة. الثالث: قد يفضي استمرار الوضع الراهن إلى تشكيل معارضة في الخارج، أو عابرة للحدود، وهذا ما سيزيد تعقيد الوضع السياسي في الكويت واحتقانه.
لن ينهي حكم 8 يوليو المعارضة السياسية، كما يعتقد بعضهم، لأن هذا المصطلح لا يمكن اختزاله في حركة أو فرد، واستمرار أي حركة تصف نفسها بأنها "معارضة" مرتبط بنهجها السياسي. ولا يوجد تاريخ صلاحية للأفكار، كما أن ذلك لا يعني أنها غير قابلة للتجديد والتغيير، من دون المساس في الأسس والثوابت. وهنا ضرورة الاهتمام بالجانب الفكري قبل الحركي، على عكس ما يحدث في الساحة السياسية في الكويت.

دلالات

4B08AFB1-3D3B-425F-B17B-768E0D2CDA4E
4B08AFB1-3D3B-425F-B17B-768E0D2CDA4E
مبارك الجِرِي

باحث كويتي، له كتابان "تحولات الإسلام السياسي.. حركة النهضة التونسية نموذجاً" و"النهضة تتحول.. سلسلة حوارات مع حركة النهضة التونسية"

مبارك الجِرِي