في العراق جوع

في العراق جوع

27 يوليو 2018
+ الخط -
قبل حوالي ستة عقود (1960)، قال شاعر العراق بدر شاكر السياب "ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع". ولم يكن ابن الجنوب العراقي يحسب أن تلك القصيدة (أنشودة المطر) التي شكلت فاتحة الحداثة الشعرية، سوف تخلد في مبناها ومعناها، وأن العراق بلد النفط والنخيل والنهرين سوف يظل جوعان وعطشان، ويعيش وضعا فريدا في البؤس، بين البلدان المجاورة له التي تقل عنه ثراء.
كان مستوى دخل المواطن العراقي يفوق نظيره في فرنسا، قبل أن يدخل العراق في دوامة الحروب والمغامرات الخارجية، ويتحوّل إلى بلد مستباح من الولايات المتحدة، ومن ثم إيران، والنتيجة التي خرج بها العراق، عشية سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، أن مستوى دخل المواطن العراقي نزل إلى مستوى أفقر دول العالم، وصار يقارن بدول مثل بنغلاديش.
لا أحد يعرف بالضبط مقدار عائدات العراق من النفط، بعد سقوط نظام صدام حسين، ورفع العقوبات وعودة تصدير النفط. وعلى الرغم من أن الحكومات العراقية تعلن عن حجم الصادرات العراقية من النفط، إلا أن أوساطا من الخبراء تقول إن هناك تهريبا وتجارة سرية. وهناك من يجزم بأن أكثر من تريليون دولار دخل الخزينة العراقية منذ 2003 وحتى العام الفائت. وبغض النظر عن صحة الرقم من عدمها، المؤكد اليوم أنها فارغة، والعراق بلد يعاني من مديونية عالية.
لم يتغير حال السواد الأعظم من العراقيين بعد سقوط النظام ورفع العقوبات، بل تحوّل العراق منذ أول يوم للاحتلال الأميركي إلى منهبةٍ ليس لها مثيل في الكون. وحين غادر الحاكم الأميركي بول بريمر بعد سنة من العمل في العراق، كان الحديث يجري عن سوء تصرّف بالمال العام وسرقات بلغت عدة مليارات. ولأن الارقام كانت صعبةً على التصديق، جرى الحديث عن تبديد ثروات البلد من دون حسيب او رقيب. وعلى الرغم من أن مهمة بريمر كانت إعادة إعمار العراق، فإنه انهمك في الشؤون السياسية والعسكرية، وأسس لما شهده العراق من انهيار لا تتوقف عجلته.
فتحت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، باب الفساد في العراق، وأوجدت شركاء عراقيين من اللصوص الذين كانوا جاهزين لسرقة بلدهم، ولم ينج من العملية إلا فئة قليلة. ولذلك تلحق تهمة الفساد بجميع الساسة الذين شاركوا في الحكم، من مختلف الأحزاب والطوائف والأعراق، واللافت أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تكلف نفسها عناء وقف النهب، وهي قادرة على ذلك. وينطبق الأمر نفسه على إيران التي شكلت مظلة لأكبر عملية فساد في التاريخ، خلال ولايتي رئيس الوزراء نوري المالكي (2006-2014) الرجل الذي حكم بدعم إيران، ولا يزال من رجالها المقرّبين. وهناك معلومات متداولة في أوساط ساسة وخبراء عراقيين تفيد بأن المالكي وضع اليد على عشرات المليارات، وأخرجها من العراق، وأغلب الساسة الذين اشتغلوا خلال ولايتيه أثروا على حساب الشعب العراقي الذي يثور اليوم من أجل أبسط الخدمات، مثل الكهرباء والماء والخبز والصحة.
تحرّك الغرب العراقي في عام 2012، من أجل وقف التدهور الحياتي والسياسي، وتصدّى المالكي للحراك، ونجح في قمع المطالب، بسجن بعض قادة الحراك، وطرد آخرين، وشراء من اشتراهم، واتهام الكتلة الجماهيرية بالإرهاب، لكن الشارع العراقي عاد وتحرّك في بغداد عدة مرات، من أجل المطالب نفسها التي يتظاهر من أجلها أهل الجنوب منذ عدة أسابيع.
يصعب، هذه المرة، سوق الاتهامات السابقة. ولكن يمكن أن يلاحظ المراقب أن أساليب القمع وأدواته شديدة الشبه بالتي تم استخدامها في سورية عام 2011، وخصوصا قطع الإنترنت وفرض الحصار الإعلامي مع الاستخدام المفرط للعنف، وذلك كله هو درس إيران من الانتفاضة الخضراء عام 2009.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد