عن مي سكاف

عن مي سكاف

27 يوليو 2018
+ الخط -
تستحق الحسرة.. غابت مي سكاف في لحظة فارقة، وكأنها رحلت حسرةً على الثورة في بلدها سورية، وتركت في قلوبنا حسرة على روحها التي عانقت تلك الهبة اليتيمة، ثورة 2011 السلمية المدنية الراقية. رحيلها فارق في توقيته، حيث تمر الثورة السورية بمرحلة انكسار، وتقهقر، جراء التآمر الدولي، والخذلان العربي، وكأن روح مي لم تطق رؤية نهاية هذا الحلم، فغادرت على عجلٍ قبل إسدال الستارة على واحدةٍ من أكثر ثورات التاريخ مشروعية.
"لن أفقد الأمل، إنها سورية العظيمة وليست سورية الأسد".. كانت الكلمات الأخيرة لمي التي خطت مسارا مختلفا عن كثيرين من أصحاب الشوارب في "باب الحارة"، ممن مثلوا الرجولة والبطولة على مشاهدي أجزاء الحارة، ثم سرعان ما تبين أن شواربهم اصطناعية، ومن متطلبات التصوير والمكياج لا أكثر ولا أقل، إذ عندما دقت ساعة الحرية اختاروا الانحياز للقاتل في كوميديا حمراء بلون الدم، فيما مبكرا أعلنت مي سكاف انحيازها للحرية، فكانت بحق أيقونة الثورة.
أبدعت الفنانة الراقية في آخر حديث صحافي أجرته في اختزال معنى الثورة وتكثيفه، وحفرت بكلماتها الأخيرة تعريفا وطنيا للثورة، وتضحياتها، يتجاوز كل المزايدات ويقطع الطريق على " شبّيحة الثورات المضادة" و"تجار الثورات"، حينما قالت: "بقي من الثورة الشهداء والفكرة، والفكرة لا تموت، فكرة الثورة في داخلنا، ماذا أمامنا أن نفعل بعد كل هذا التخاذل الدولي تجاه الثورة السوريّة، بعد كل ما حدث من فواجع وقتل وكوارث، هل نصمت ويكون الثمن هو بقاء هذا الحاكم الأرعن المستبد؟ حتّى لو بعد عشرات السنين سيأتي من يحمل راية الثورة، هذه هي ديالكتيكيّة الحياة، لن نسمح لهذا "الأرعن" أن يفلت من العقاب، كما أفلت والده حافظ الأسد بعد مجازر الثمانينات". 
وتبدو هذه المعاني التي وقعت بها مي فراقها الحياة درسا يستحق أن يُرسم بمداد من ذهب، فالثورة فكرة، لا تقاس بالزمن وحجم التضحيات، هي موجةٌ صحيحٌ ربما أن الأنظمة المستبدة نجحت في كسرها، لكنهم عاجزون عن وقف هديرها، فمئات الآلاف من الثوار والشهداء والجرحى والمهجّرين هم دوما من يخلدون في كتب التاريخ، أما المستبدون فمصيرهم النسيان. .. من قال إن من يناضل لابد أن يشهد الانتصار؟ عندما تناضل من أجل فكرة لا يعني ضرورة أن تشهد انتصارها في حياتك، بل يكفيك أن تموت وأنت قابضٌ على جمرها، مؤمن بعدالتها، واثق بأنك أديت ما عليك تجاه استمرار شعلتها، تراهن على الأجيال القادمة، فالثورات قطار متشابك السكك، يصل، في نهاية المطاف، إلى وجهته.
رحيل مي سكاف مؤمنة بثورة أبناء بلدها، يستلزم منهم الوفاء لروحها، ولروح كل شهداء ثورتهم، وهذا يتحقّق بالوحدة، وبالإيمان المطلق بعدالة قضيتهم، وبالولوج لدراسة أسباب تمكّن النظام وحلفائه من كسر شوكة ثورتهم، فإضافة إلى العامل الدولي، والتآمر غير المسبوق الذي تعرّضت له الثورة، مؤكّد أن هناك أسبابا داخلية محلية، مكّنت النظام وحلفاءه من الإجهاز على حلم أطفال درعا، وتحويل حلم السوريين إلى كابوس دموي، وهي أولا وآخرا مراجعات تحتاج الوضوح والشفافية والمصارحة.
سلام على روحك مي، وطبت حيةً وميتة.
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.