لبنان.. حشيش وفيسبوك

لبنان.. حشيش وفيسبوك

23 يوليو 2018
+ الخط -
تحول تشريع زراعة الحشيش في لبنان إلى موضوعٍ لسجال داخلي على وسائل التواصل الاجتماعي، وبسرعة شديدة سرق الأضواء من الجدل بشأن قضايا أخرى، تهم كل فئات المجتمع، وتتناول مشكلات حيوية مثل الكهرباء والتلوث البحري بسبب عدم حل مشكلة معالجة النفايات بصورة كلية، وتقادم نظام الصرف الصحي. وعلى الرغم من طابع الجدية الذي تم فيه طرح مسألة زراعة الحشيشة في لبنان من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، فإنه بدا كأن هناك من أراد حرف انتباه الرأي العام نحو قضيةٍ أخرى لا تخلو من الإثارة وهي الحشيشة التي تزرعها مناطق في البقاع اللبناني منذ زمن طويل، ويجري تهريبها إلى الخارج.
وعلى الرغم من أن المشروع الذي يتم تحضيره لتشريع زراعة الحشيشة في لبنان من أجل أغراض طبية، غلب على النقاش وردود الفعل السخرية والاستهجان، انطلاقا من الظروف الحالية التي تحيط بزراعة هذه النبتة في البقاع، لاسيما وأن لبنان يعتبر من البلدان التي تزرعها بطريقة غير قانونية، ومنه ينتقل منتوجها إلى أسواقٍ عالميةٍ عن طريق التهريب. ويعد لبنان من البلدان التي تنتج صنفا جيدا، حسب توصيفات أسواق هذه المادة الممنوعة عالميا، وهو ما شجّع على التوسع بزراعته، على الرغم من أن المجتمع الدولي وضع هذا البلد على لوائح الشبهة، وارتبطت منطقة بعلبك وعائلات بأكملها بسمعة زراعة الحشيش والمتاجرة به، وتم اتهام شخصيات سياسية لبنانية وسورية بالشراكة مع المزارعين، سواء بالتغطية على الزراعة، او فيما يخص تسهيلات التهريب.
لا يوجد اعتراض على مبدأ الزراعة من أجل إنتاج الأدوية، فهذا أمرٌ يتم في بلدان أخرى بطرق قانونية، ولكن هناك سلسلة من المخاوف والمحاذير تجعل من تشريع زراعة الحشيشة في لبنان أمرا محلّ سؤال. وأول المحاذير أنه، في ظل وضع لبنان الحالي الهش سياسيا، وضعف سلطة الدولة، لا أحد يستطيع أن يضمن بقاء الزراعة تحت السيطرة، وأن لا تتمدّد المساحات أكثر وأكثر. ومع الزمن، تصبح عملية التهريب مشرعنة بالقانون، خصوصا أن هناك مراكز قوى ترعى الوضع الحالي، وسوف تستفيد من عملية الشرعنة من أجل تطوير تجارتها.
وبعيدا عن التهكّم منه، فإن المشروع سوف يسلط الضوء على منطقة البقاع التي تعاني اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بسبب زراعة هذه النبتة، وما كان للمساحات المزروعة بالحشيش أن تتسع وتكبر مع الوقت، لو لم تكن مشاريع التنمية غائبة، ويسجل أن أموال الزراعات البديلة جرت سرقتها، ولم يتم توظيفها من أجل تشجيع الزراعات الموجودة، وبناء مصانع بالاعتماد على إنتاج المنطقة، مثل تجفيف الفاكهة، وبقيت هذه المنطقة تحت سيطرة النظام الأمني السوري اللبناني الذي كان يستفيد من تجارة تهريب المخدّرات، ولذا وضع ثقله من أجل تكريس واستثمار هذا الواقع.
واللافت هو رد الفعل الرسمي على النقاشات الجادة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بلغ درجةً من العنف تبعث على الخوف حيال مستقبل هذا البلد، وطرحت عملية الافتراء على الممثل زياد عيتاني من موظفة ذات موقع رفيع في المؤسسة الأمنية أسئلةً كثيرةً حول مكانة القانون والحريات التي بقي هذا البلد يتمتع بالحد الأدنى منها، على الرغم من سطوة أمراء الحرب وحيتان الفساد الذين يقاتلون بكل أنواع الأسلحة لمنع لبنان من أن يكون لائقا بأهله الذين أبدعوا في كل مكان، ولم يجدوا مكانهم في بلدهم الأم، ويبدو بمثابة مفارقةٍ ذات وقع كبير أن تنشغل الدولة اللبنانية بمطاردة ناشطين يوجّهون انتقادات للأوضاع على "فيسبوك" في بلد كان يمثل ذات يوم بلد حريات النشر الوحيد في العالم العربي، وازدهرت فيه الصحف ودور النشر، بفضل قدرته على حماية الحريات.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد