فتح القاهرة.. ووعّاظ الشياطين

فتح القاهرة.. ووعّاظ الشياطين

22 يوليو 2018

علي جمعة.. يجيز ما لا يجاز (12/1/2011/Getty)

+ الخط -
في الفتاوى الإسلامية الحديثة، بات محتمًا علي أن أصدّق، أن انقلاب 3 يوليو/تموز سنة 2013، بقيادة "المخلّص" عبدالفتاح السيسي، ضد الديمقراطية الوليدة بقيادة "الكافر" محمد مرسي، هو "يوم من أيام الله"، ويضاهي في أهميته يوم "فتح مكة"، فهو اليوم الذي فتحت فيه القاهرة، و"نصر فيه الله المؤمنين ومكّنهم في الأرض، وأزال دولة الفاسقين الفاسدين المجرمين"، بل هو "يوم مثل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، لكون الله أزاح خلاله الغمّة عن تلك الأمة".
ومن يعارضني في هذا التصديق سأحيله إلى شيخي المبجل، علي جمعة، الذي لا تصدر فتاواه عن هوىً، باعتباره عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية سابقًا، واختير ضمن أكثر خمسين شخصية مسلمة تأثيرًا في العالم بين العامين 2009 و2017، حسب تقييم المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية في عمّان.
وفي سياق الفتاوى ذاتها، أيضًا، عليّ أن أصدق أن التطبيع مع الكيان الصهيوني "حلال"، على اعتبار أن شيخي المبجل نفسه، علي جمعة، زار القدس، وهي ترزح تحت الحراب الإسرائيلية، وكأنه يبيح مثل هذا الاحتلال، ويطالبنا بالتعامل معه أمرا واقعا.
وعلى الغرار ذاته، عليّ أن أرفع يديّ، وألهج بالدعاء للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي "يقود العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء"، وأن "يسدّد الله خطاه ويبارك جهوده"، وفق ما طالبني به شيخ "جليل" آخر، هو عبد الرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، في المملكة العربية السعودية، وأستاذ الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، والذي لا يزال المسلمون يتداولون تسجيلات تلاوته القرآن الكريم، ويبتاعها الحجاج هدايا ثمينة مع عبوات مياه زمزم.
ربّ قائل إن جمعة والسديس وغيرهما يمثلون "حالاتٍ فردية"، لا تمس جوهر الإسلام الحقيقي، غير أني، شخصيًّا، كنت سأقبل هذه المقولة، لو كان تأثير هؤلاء فرديًّا فقط، ولا يتعدّى بضع مئات من المسلمين، أو لأن الفتاوى تصدر عن "جهلةٍ" بالإسلام، غير أنني على ثقةٍ بأن هناك ملايين من المسلمين البسطاء يأخذون هذه الفتاوى والأدعية على محمل الجد، لأنها تصدر عن "علماء"، لا جهلة، سيما في قرىً مصرية نائية تعتبر أن "لبّ القول ما يقوله علي جمعة". وفي مثل هذه الحالة، لا أستبعد أن يعتبر هؤلاء انقلاب السيسي الدموي الذي أطاح ثورة الربيع المصرية، وأعاد عقارب الحرية مليون سنة إلى الوراء، "يومًا كفتح مكة وولادة الرسول". وعلى المنوال نفسه، ثمّة من سيصدق أن ترامب رئيس يستحق دعاء المسلمين له بالتوفيق والسداد، على الرغم من أنه، وأسلافه من زعماء الولايات المتحدة، ذبحوا المستقبل العربي من الوريد إلى الوريد، بدعمهم اللامحدود إسرائيل، وبتدميرهم العراق، وبالتواطؤ على ثورات الربيع العربي، وبمؤازرة حكام الاستبداد في دولنا.
أعلم أن ظاهرة "وعاظ السلاطين" قديمة قدم الأمة ودينها، غير أن ما يحيّرني أنها ظاهرة مستمرة ومتجدّدة، ما يجعلني أتساءل، ويتساءل معي كثيرون: لماذا كان الإسلام الدين الأكثر توظيفًا من بين الديانات كلها، في خدمة السلاطين؟ ذلك أن الشعوب الأخرى وضعت حدّا لاستغلال الدين سياسيًّا لصالح السلطة، ولم تعد تقبل أن يضفي الكهنة والقساوسة أي شرعية على الاستبداد وخنق الحريات. أما في بلادنا، فلا نزال نكابد هذا الشطط بفتاوى غريبة تفعل فعلها في قناعات الملايين. ولا تقتصر، بالطبع، على السيسي وانقلابه المشؤوم، ولا تقف عند حد تحريم الموسيقى والفلسفة والفنون، وتحريم التعامل مع البنوك، وإباحة الدعاء على النصارى، وصولاً إلى عزل الفرد المسلم في كهفٍ من كهوف التاريخ، تحت ذريعة "النجاة بدينه".
هو سؤال جدليّ، بالطبع، قد يتصل بإشكالية النظرية والتطبيق، إذ سيقول كثيرون إن خطأ التطبيق لا يعني خطأ النظرية، على غرار ما قاله سائر أصحاب النظريات المنهارة، كالنظرية الاشتراكية وسواها، غير أني لا أطرح الإشكالية هنا، فلسفيًّا، بقدر ما أسعى إلى الوصول إلى معادلةٍ تخرس علي جمعة والسديس وأضرابهما، وتمنع المسلم من الدعوة لترامب، والاحتفال بيوم "فتح القاهرة" على يد السيسي.. فهل من جواب؟
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.