زمن ترامب.. سياستان روسيتان

زمن ترامب.. سياستان روسيتان

22 يوليو 2018
+ الخط -
لم تكد تمضي أيامٌ على قمة هلسنكي بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب، ولم تهدأ بعد عاصفة الانتقادات الداخلية في واشنطن لصورة ترامب في مؤتمره الصحافي مع "منافسه" بوتين، وتصريحاته هناك المجاملة للرئيس الروسي، حتى عاد ترامب إلى "تويتر"، مغرّداً، إنه يتطلع لعقد لقاء ثان مع بوتين، لمتابعة ما تم التوصل إليه بينهما. وكتب في "تويتر" "حققت القمة نجاحا كبيرا، أتطلع إلى اجتماعنا الثاني، حتى نتمكّن من البدء في تنفيذ أمور عديدة تمت مناقشتها"، وأضاف "هناك حلول عديدة لتلك المشكلات، بعضها سهل والآخر صعب".
تركيز سياسي وإعلامي كبير حظيت به القمة الروسية الأميركية "التاريخية" في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الجاري، فهي الأولى بشكل مباشر، منذ انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة عام 2016، فقد التقى الرئيسان سابقا على هامش اجتماعات ومؤتمرات دولية، في قمة العشرين، في هامبورغ في يوليو/ تموز عام 2017، وفي قمة دانانغ في نوفمبر/ تشرين الثاني لمنظمة آسيا ـ المحيط الهادئ (إيبك) في فيتنام من العام نفسه.
وفي حين كانت زيارتا الرئيس الأميركي، قبل لقائه بوتين، بروكسل ولندن عاصفتين، إذ انتقد خلالهما بشدة حلفاءه في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سيما ألمانيا التي اتهمها بأنها "رهينة" روسيا، فإن نقاط الخلاف بين واشنطن وموسكو كثيرة، من ضم شبه جزيرة القرم في مارس/ آذار 2014، وما يجري في سورية، إلى الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة. ولكن الرئيسين ظهرا راضيين عما أنجزاه في هلسنكي، وقال ترامب إنها "ليست سوى بداية" لاستعادة العلاقات، فيما رأى بوتين أن المحادثات كانت "ناجحة جدا ومفيدة للغاية".
ويسعى ترامب، منذ توليه الحكم، إلى تحسين العلاقات مع روسيا، عكس ما دأب عليه
 الجمهوريون، ودعا الشهر الماضي إلى إعادة روسيا إلى مجموعة الدول السبع، وكانت عضويتها علقت بعد ضمها شبه جزيرة القرم. وقد صدم العالم عندما رفض، جنبًا إلى جنب مع الرئيس بوتين، قبول المعلومات لتدخل الكرملين في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وظهر ترامب، في المؤتمر الصحافي، كأنه يدعم بوتين على الأجهزة الأميركية الاستخباراتية. وقد يعكس حجم الغضب الداخلي الأميركي من تصريحات ترامب تلك ما كتبته وسائل إعلام أميركية من أنه لم يحدث أبدا في القمم السابقة مع زعماء الكرملين، أن بدا رئيس أميركي بهذا الضعف.
وترى روسيا أن الولايات المتحدة تعيش صراعا بيروقراطيا وسياسيا غير مسبوق بين الإدارات في عهد ترامب، وأن واشنطن تفتقر إلى أي شيءٍ يشبه استراتيجية كبرى لمواجهتها. وقد أظهر أداء ترامب في هلسنكي للعالم أنه، بعد عام ونصف العام من إدارته، لم يبدأ بعد حتى في صياغة مقاربة لأي مواجهة، وإذا استمر هذا الحال، سيزداد نفوذ موسكو، وتزداد جرأة بوتين في ملفاتٍ كثيرة عالقة بين البلدين، ما سيعرّض مصالح الولايات المتحدة لمزيد من الاختراق.
وبحسب خبراء عديدين، استخدم الرؤساء الأميركيون السابقون، في أثناء الحرب الباردة وبعدها، مؤتمرات القمة، لمتابعة أهداف السياسة الخارجية الأميركية الملموسة، وقد لا ينجحون، لكن ما حدث في هلسنكي أن أهداف المشاركة لم تكن واضحة، ولم ينته الاجتماع مع بوتين إلى أي نتائج ملموسة، حتى الأجندة فيه كانت غامضة، وكان الاقتراح العملي الوحيد الذي اقترحه بوتين هو التفاوض على تمديد معاهدة ستارت للحد من الأسلحة الاستراتيجية.
أظهرت القمة أنه عندما يتحدّث ترامب عن مقاربته الشخصية تجاه روسيا، فإنه غالباً ما يتناقض مع سياسات إدارته، فهو لم يرفض فقط تأكيد المعلومات عن الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإنما أيضا لم يندد بضم شبه جزيرة القرم، والتدخل العسكري الروسي في شرق أوكرانيا، ودعم بوتين الثابت للنظام السوري.
أوضح ترامب أنه يريد أن يصادق بوتين، وبدلاً من وصف بوتين خصما، وصفه بأنه "منافس جيد"، وكرّر أنه سيكون "جيدا" أن تتوافق الولايات المتحدة وروسيا. ووفقاً لوسائل إعلام أميركية، حتى أن مستشارين في إدارته صرّحوا بعد القمة بأن ترامب لم يتبع النص المتفق عليه في قمة هلسنكي.
يمكن القول، إذن، إن لدى إدارة ترامب سياستين روسيتين، لا واحدة. والسؤال في "زمن ترامب": هل ينطبق هذا الحال على معظم القضايا والأزمات الدولية الأخرى، من العلاقة مع حلف الناتو، مرورا بملفات الشرق الأوسط الشائكة (عدا أمن إسرائيل)، وصولاً إلى كوريا الشمالية.