في بلادنا ألف مانديلا

في بلادنا ألف مانديلا

21 يوليو 2018
+ الخط -
مع احتفال العالم بمئوية ميلاد زعيم جنوب إفريقيا، الراحل الكبير، نيلسون مانديلا، أتذكر القصيدة التي كتبها الشاعر المصري، فاروق جويدة، ونشرتها صحيفة الأهرام في التسعينيات "من أغاني مانديلا ".
ويتجدد الاحتفال بذكرى الزعيم الذي ألهمت حكايته العالم، وتتجدد معها مادة خصبة لكتاب الصحف ونزلاء الفضائيات، يتبارون فيها بالحديث عن البطولة والكفاح والنضال الذي خاضه الراحل الكبير، حتى حقق لشعبه الحرية التي ظل يقاتل في سبيلها مئة سنة.
كل هذا جميل، ولكن، الغالبية العظمى من هؤلاء الذين تعلو أصواتهم اليوم بصيحات المديح، حرّضوا وباركوا وصمتوا عن قتل وسجن وتشريد ألف "مانديلا" في بلادهم . وهم فضلاً عن كونهم منتفعين، هم أسرى لحالة نفسية تسيطر على النفوس الضعيفة، فتجدهم من باب الوجاهة والتظاهر بالبطولة يمدحون الغريب مكاناً، أو البعيد زماناً، ويجدون لبطولته أسباباً موضوعية تعفيهم من المقارنة معه. ولكن بطولة من يجاورونهم في الوطن، ويعاصرونهم في الزمن، ويقفون بكل شجاعة في وجه الظلم والفساد والطغيان والاستبداد، تضعهم مباشرة في موضع المقارنة، وتخلع عنهم أردية البطولة الزائفة أمام أنفسهم وأمام الناس.
هؤلاء تغيظهم وتؤرقهم الفضائل التي ينفرد بها من حولهم، لأنها تشعرهم بالنقص والعجز، وسوء ما هم فيه من صمت وذل وارتهان، بل تبين هذه المقارنة عجزهم عن الفعل الحقيقي الذي يمكن أن يؤدي إلى ولادة مجتمع جميل كالمجتمع الذي كان يسعى له مانديلا.
هذه الحالة النفسية إذا استشرت وتمددت وتوسعت في المجتمع، تصيبه بالعطب، ويتحول لحالة هياج يصيح فيها الملأ اللصيق بالسلطة بصياح قوم لوط : "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".
علينا أن ندرك جيدا، أنه بعيدا عن صياح هؤلاء، وتباكيهم ومدحهم لمانديلا (وهو يستحق المديح حتما)، أن في بلادنا يوجد ألف وألف مانديلا، وما علينا إلا أن ننتبه إليهم، وندافع عنهم ونحميهم ونرفع من شأنهم، لأنهم يستحقون ذلك حقا لا قولا.
لا تنتظر من هؤلاء أن يرفعوا صوتا للدفاع عمن يسير على درب الزعيم مانديلا من بني أوطانهم، فطنين هذا الذباب يختفي عند المَغْرَم، ويتعالى ويكثر عند المَغْنَم.
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
محمود صقر
كاتب مصري.
محمود صقر