نظرة على أوضاع فلسطينيي سورية

نظرة على أوضاع فلسطينيي سورية

16 يوليو 2018
+ الخط -
فرضت الظروف والأوضاع الداخلية والخارجية على الفلسطينيين في سورية مواجهة مجموعة كبيرة ومتنوعة من التحديات والصعوبات والمشكلات التي سوف ترسم ملامح مستقبلهم اجتماعيا، وسياسيا بالحد الأدنى، والتي سوف تساهم بوضوح في رسم ملامح المنطقة عموماً. نظراً إلى مدى تداخل نضال فلسطينيي سورية وتشابكه مع النضال الشعبي الفلسطيني والسوري خصوصا، والعربي عموماً، على الرغم من محاولات عزل الأنظمة العربية لهم، والنظام السوري خصوصا، عن مجمل النضال الشعبي العربي. وعلى الرغم من تقزيم نضالاتهم ومعاناتهم، من بعض الأطراف الإعلامية والسياسية المعارضة للنظام السوري، الأمر الذي يستوجب منا تسليط الضوء عليهم، ولو قليلاً.
وقد ترافقت بدايات الثورة السورية مع تصاعد أصوات عديدة متناقضة، من حيث الموقف السياسي من الثورة، والمتحدة حول إدانة فلسطينيي سورية ومهاجمتهم؛ بين من اتهمهم بدعم النظام عبر صمتهم، أو عبر مشاركة بعض منهم في قمع الثورة وقتل السوريين؛ وبين من حملهم مسؤولية الفوضى الأمنية، وفقاً لتعبير الإعلام المحسوب على النظام. حتى بات أي حياد أو موقف أو تحرك فلسطيني، ولو فرديا، بمثابة إدانةٍ لجميع الفلسطينيين، كباراً وصغاراً، ومدخلا تلقائياً لاتهامهم بخيانة سورية والسوريين، الأمر الذي دفع فلسطينيين عديدين، للتعبير عن تخوفهم من مستقبل وجودهم في سورية، وحول تأثير ذلك على مجمل القضية الفلسطينية، انتصر النظام أم هزم.
وقد استمرت حملات الاتهامات والتخوينات للفلسطينيين في سورية، ولمواقفهم، حتى اللحظة الراهنة، مهما تغيرت الأوضاع والمعطيات، فعلى الرغم من دعم جزء مهم وكبير من الفلسطينيين الثورة السورية، وفي أكثر من موقع ومخيم، مثل مخيمات الرمل ودرعا، واليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية، إلا أن الأصوات المعارضة والمندّدة بالفلسطينيين عموماً استمرت، وكأنها تشمت، في أحيان كثيرة، بأي جريمةٍ يرتكبها النظام بحق الفلسطينيين، مثل 
قصف المخيمات، وتدميرها عن بكرة أبيها، وحصارها عسكريا وأمنياً؛ الأمر الذي أدى إلى قضاء فلسطينيين عديدين جوعاً، انتهاء بحملات التهجير القسري العلنية، كما حدث في اليرموك أخيرا، وغير العلنية كما يحدث في مخيمات عديدة، مثل خان الشيح وحندرات وحماة والرمل.
وقد مارس النظام السوري أعلى درجات الإجرام بحق الفلسطينيين ومخيماتهم، تماما كما تعامل مع باقي المناطق السورية، ما أسفر عن تشريد غالبيتهم، ومن غالبية المخيمات، وسقوط قرابة أربعة آلاف ضحية فلسطينيية، واعتقال قرابة 1600 شخص، من دون أي معلومةٍ عن مكان اعتقالهم أو سببه، ومنهم من قضى نحبه تحت التعذيب في السجون والأقبية الأسدية. لكن ونظراً إلى تقاعس الجهات التي من واجبها الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والفصائل والهيئات الفلسطينية، بما فيها منظمة التحرير، وكلتا السلطتين في غزة ورام الله من جهة فلسطينية، وغالبية القوى والمؤسسات المحسوبة على المعارضة من جهة سورية، بات مستقبل الوجود الفلسطيني في سورية على المحك، وعرضةً للإنهاء، أو الإخضاع في أحسن الأحوال. وكأن النظام يعمل، بدعم ورعاية دولية وإقليمية وفلسطينية، على إعادة توزيع فلسطينيي سورية داخلها وخارجها، وعلى تطويق هذه المخيمات ومحاصرتها، بشكلٍ يقارب أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، الأمر الذي سوف يؤدي مستقبلاً إلى تدهور كبير في ظروف الفلسطينيين المعيشية وأوضاعهم، عبر حصار المخيمات، وتقويض اندماج الفلسطينيين في سوق العمل السوري، من خلال منعهم من التقدّم إلى بعض الوظائف الحكومية، كما عملت بعض الوزارات أخيرا، وقد يمتد هذا الإجراء مستقبلا ليشمل قطاع الأعمال الخاصة، أو جانبا منها. ثم إن الحصار الجديد سيؤدي إلى تدهورٍ أكبر على المستويين، السياسي والوطني؛ نتيجة تقويض الحركة الوطنية الفلسطينية في سورية، إذ ستتحول التجمعات الفلسطينية إلى مجموعات صغيرة ومبعثرة، تلهث خلف تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة، ما يسهل من مهمة السيطرة على من بقي منهم، وإخضاعه مستقبلاً لإرادة النظام السوري.
وأخيراً يواجه فلسطينيو سورية مزيدا من المتاعب، نتيجة المواقف الرسمية للفصائل والسلطة ومنظمة التحرير الذين شرعوا عملية تدمير المخيمات، واعتقال المدنيين الفلسطينيين وقتلهم من دون حسيب أو رقيب، فضلاً عن تشريعهم وصمتهم أخيرا عن ممارسات بعض الفصائل العاملة في سورية، لا سيما بعد ملاحظتهم أن الكفّة الميدانية تميل لصالح الروس الذين يدعمون النظام، على الرغم من أن تلك الفصائل تشارك النظام في قتل السوريين والفلسطينيين، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية - القيادة العامة التي جاهرت، منذ بدايات الثورة، بمؤازرتها العلنية لإجرام النظام، والتي تتحمّل مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية عن جرائمها أولاً، وعن تبعات ممارساتها على الفلسطينيين ومخيماتهم ثانيا، وفي مقدمتها تدمير مخيم اليرموك، وتهجير سكانه قسراً، كما تتحمل المسؤولية الأخلاقية عن الظروف والأوضاع الصعبة التي يعاني منها المهجّرون من اليرموك اليوم قريبا من الحدود السورية التركية.

في النهاية، لا يمكن تحميل أي فلسطيني مسؤولية سياسية أو أخلاقية أو قانونية عن أي فعل يرتكبه فلسطيني آخر، فمن شبه المستحيل تحقيق إجماع شعبي عموما، وفلسطيني خصوصا، على أي قضية، فلسطينية كانت أم سورية أم عربية. كما لا يجوز تحميل الفلسطينيين وزر مواقف القيادات الفلسطينية، بما فيها قيادات الفصائل والسلطة ومنظمة التحرير، على اعتبارها بنية فوقية مفروضة على الفلسطينيين، ومنعزلة عنهم. وبالتالي، لا يمثل موقفها الموقف الشعبي الفلسطيني. طبعا من دون إنكار وجود قاعدة شعبية فلسطينية داعمة للأسد ومؤيدة له، ومن دون أن نقبل تعميم أي موقف فردي أو جماعي على مجمل الفلسطينيين، داعما للثورة أو للنظام، فالنصير الحقيقي لأي من الشعوب العربية المضطهدة والمظلومة هو بقية الشعوب العربية، والتي تتشابه ظروفها وأوضاعها المأساوية، حتى تكاد تتطابق أحياناً، كما الحال في سورية واليمن والعراق وفلسطين وغيرها. وعليه، كما نطالب غالبية الفلسطينيين بنصرة الثورة والشعب السوريين، والتصدي لجميع الأصوات التي تتملق النظام السوري وتدعمه، وفي مقدمتها الجهات التي تدّعي تمثيل الفلسطينيين، علينا أن نطالب غالبية السوريين كذلك بنصرة الفلسطينيين عموماً، وفلسطينيي سورية خصوصا، كما نطالبهم بإخراس الأفواه المعارضة والمحسوبة على الثورة التي تسيء لنضال الشعبين المنصهرين في الألم والأمل والنضال من أجل الحرية.