خلاف غير رياضي

خلاف غير رياضي

16 يوليو 2018

تركي آل الشيخ يعتبر النادي الأهلي المصري ملكه

+ الخط -
لم تعد أصداء مناوشات رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية، تركي آل الشيخ، مع النادي الأهلي المصري، مقتصرة على مشجعي النادي أو جمهور الكرة، لكنها تحولت، وبحكم أحداثها المتواترة، إلى قضية تشغل الرأي العام، ما استدعى تدخل المؤسسات الرسمية للبلدين، ووقف التصريحات المستفزة لآل الشيخ، أو صدور أي ردود عنيفة من النادي الأهلي.
منذ تم اختيار تركي آل الشيخ رئيسا شرفيا للنادي الأهلي، بدأ إصدار تصريحات وكأنه رئيس مجلس إدارة النادي، أو أن "الأهلي" ملك خاص له، اشتراه بأمواله، وهو ما استفز مشجعي النادي، بل جمهورا عريضا من المصريين غير المهتمين بالشأن الرياضي، خصوصا أن المسألة بدت وكأن تركي يتحدّث بهذه اللهجة على أرضية إعلانه التبرع بما يزيد على 260 مليون جنيه مصري للنادي، بالإضافة إلى وعوده بتنفيذ خطط تطوير سعودية للنادي، وإنشاء مجمعات رياضية ضخمة كاستثمارات سعودية. وأعلن الرجل مراتٍ أن الاهتمام بالنادي الأهلي يرتبط باهتمام السعودية بتطوير الرياضة العربية عموما، ما يؤشر إلى محاولات تدخل وهيمنة من المملكة على الساحة الرياضية المصرية، الأمر الذي بدا بتدخل تركي في النادي الأهلي، بداية من المساهمة في تمويل حملات انتخابية لأعضاء في مجلس إدارة النادي إلى تحديد من يلعب، ومن يترك النادي، وغيرها من تصريحاتٍ مستفزة تجاه نجم النادي الأهلي، محمد أبو تريكة، أو النجم العالمي محمد صلاح.
بدا صمت النادي الأهلي محل استفزاز، خصوصا بعد تصريحات آل الشيخ التي وصف فيها مجلس إدارة النادي بالعصابة التي يتلقى أغلب أفرادها منه الأموال والهدايا والعطايا. لم يرد 
النادي أمام ضغط جمهوره المطالب باتخاذ موقف إلا ببيان هزيل، ما قد يعود إلى سببين: احتمال تلقي أعضاء في مجلس الإدارة أموالا وهدايا من تركي آل الشيخ، أو دوائر قريبة منه، بغرض استمالتهم والتقرّب منهم. والضغوط التي مارستها أجهزة الدولة على مجلس الإدارة بغرض عدم صدور أي ردود أفعال أو تصريحات عنيفة ضد تركي آل الشيخ، والتي تعني الضرر بالعلاقات المصرية السعودية. وكشفت هذه الواقعة عن دلالات عديدة:
أُولاها أن نهج السعودية ومسؤوليها تجاه مصر يتلخص في أننا نضخ الأموال والاستثمارات، من أجل بسط نفوذنا، بحيث يسهل توجيه الأمور، وأن هذا، كما ينطبق على المجال السياسي، ينطبق على المجال الرياضي، وقد اختير النادي الأهلي بوصف الأكثر شعبيةً والأقدم، بالإضافة إلى شراء السعودية النادي الأسيوطي، وربما يتبع ذلك توسع الاستثمارات السعودية في المجال الرياضي.
ثانيا: تضمنت هذه الواقعة استمرار انتهاك قيمتي الحرية والكرامة، فقد منعت أجهزة الدولة الصحف والإعلاميين المصريين من توجيه أي نقد لتركي آل الشيخ، بحكم أن أي نقد له يعني نقد المملكة، لأن هذا الشخص يشغل منصبا رسميا، وأحد المقربين من الحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان.
ثالثا: تكشف الواقعة عن شبهات فساد في مجلس إدارة النادي الأهلي، خصوصا في ما يتعلق بتلقي هدايا وأموال ومساعدات، وعدم الكشف عن بنود وأوجه صرفها، وهو سياق يسهل إنتاج الفساد على مستوى المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية، ويتمثل الفساد أيضا في قبول أعضاء في مجلس إدارة النادي الأهلي بتمويل حملتهم الانتخابية من طرف غير ذي صلة بالنادي، بل غير مصري بالأساس، وهو ما يتشابه مع تدخلاتٍ سياسية مشابه للسعودية، عبر دعم أطراف سياسية في عدة دول، بغرض زيادة نفوذها وهيمنتها على المنطقة.
رابعا: على الرغم من محاولات السلطة منع تشكل رأي عام، عبر تقيد وسائل الإعلام، إلا أن ذلك لم يمنع ظهور غضب ولهجة حادة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجاه آل الشيخ وتصريحاته التي بدا فيها كأنه يعاير النادي الأهلي بتبرعاته، وقد تجاوزت الحملة جمهور النادي، لتتسع ضد الرجل، وما يمثله من منهج وطريقة تعامل، دخلت فيه جماهير الرياضة ليس باعتبارهم متفرجين، ولكن كمعلقين وفاعلين يردّون على الصمت الرسمي، وخفوت ردود أفعال النادي الأهلي على تجاوزات تركي آل الشيخ، وهو ما استدعى قلق جهات رسمية، على اعتبار أن من شأن ذلك الإضرار بعلاقات مصر بالمملكة، وأن هذه الواقعة ستجدد التذكير باتفاقية ترسيم الحدود، وتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير.
خامسا: بدا المشهد في محصلته الأساسية بأنه مقاربة مع الوضع السياسي، وأن ما يتم في السياسة من تبعية وتفريط وشبهات فساد وعلاقات غير متوازنة هو نفسه ما حدث مع تركي والنادي الأهلي. وجددت هذه الوقائع رفض محاولات الهيمنة السعودية على مجالات الاستثمار والسياسة والاقتصاد.
سادسا: بدا أن إعلاميين مصريين كثيرين ليسوا وحسب أذرعا للسلطة، ولكنهم يخضعون، بحكم وجود علاقات مصالح مع دوائر السعودية، إلى خدمة أهدافها. وتدل شواهد سابقة لعدد غير قليل من كبار الصحافيين ورؤساء التحرير على ذلك.

D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".