الإرهاب الأكبر منتصراً

الإرهاب الأكبر منتصراً

15 يوليو 2018
+ الخط -
حتى مع انتهاء الحرب السورية، سيظل اللغز حاضرا: من المنتصر ومن الخاسر؟ أما الضحية فمعلومة.
ربما نتفق مع إجابةٍ تحسم انتصار نظام بشار الأسد، لولا أن الطرف الآخر الذي يفترض أن يكون خاسرًا يحتفل هو الآخر بالنصر، أيضًا.
ذلك هو اللغز الذي يستعصي على أدمغتنا، نحن المخدوعين بهذه الحرب، سواء منا من بشّر بانتصار بشّار، أو من أنذر بفشل ثورة الربيع السورية منذ بدء عسكرتها. ومع التوسّع في معجم هذه الحرب المجهولة، يتغيّر السؤال السابق ليصبح: من انتصر في المسرحية السورية: الإرهاب الأكبر أم الإرهاب الأصغر؟ ومن منهما يمثل الأول، ومن يمثل الثاني؟
أتوقع أن الإجابة لن يحسمها غير الشعب السوري نفسه الذي اختبر الإرهابين، معًا، وعانى من ضروبهما، مع فارق الزمن الذي كابده تحت حكم كل منهما، ففي الإرهاب الأول الذي يمثله حكم الأسدين، عانى الشعب من إرهاب الدولة، المقنّن بالدساتير والأنظمة. وفي الإرهاب الثاني، عانى من فوضى الإرهاب، على يد مجاميع مسلحة، لا تتقن غير فنون الذبح والترويع.. وفي مثل هذه الحالة، لا يحق لغير الضحية أن تحدّد نوعية السكين التي ستُذبح بها.
وأما لماذا يحتفل الطرفان، الغالب والمغلوب، بالنصر، فلأن الأول الذي يمثله النظام استعاد هيمنته ونفوذه وسيطرته، كما كانت عليه، تقريبًا. وفي وسعه أن يستأنف دورة استبداده التي أربكتها ثورة الربيع الشعبية، بدايةً، وعزّزتها العسكرة التي اختطفت الثورة بعد ذلك، فيما يحتفل الطرف المغلوب؛ لأنه كان مطلوبًا منه أن يُهزم بعد أن أدّى دوره بنجاح في إخماد الثورة الشعبية، وحرفها عن مسارها العفويّ الذي هدّد أركان النظام الحاكم، وكان موشكًا على إسقاطه، لولا أن سارعت دول عظمى وصغرى و"أذناب دول" لإنقاذه. ومن الصنف الأخير من كان يزعم انحيازه للثورة نفسها، على غرار السعودية والإمارات، وهما "الذنبان" الأخطران؛ لأنهما لعبا أقذر الأدوار، نيابة عن أميركا وإسرائيل، في شراء الذمم، وفي استيراد "الوحوش" من مختلف بقاع الأرض، تحت شعار: "نصرة الثورة السورية، ومحاربة النظام الكافر"، فيما كان الهدف الفعلي هو إجهاض الثورة، وتشويه عفويتها، ومنح نظام بشار الأسد رخصة التدمير والحرق، واستخدام سائر الأسلحة المحرّمة ضد شعبه وبلده، بذريعة "محاربة الإرهاب".
على هذا النحو، يحتفل الطرف "المغلوب" بانتصاره، ويقرع كؤوسه، وما على الملتحين من أمثال "أبو جندب"، و"أبو بريص"، إلا أن يرفعوا أنخابهم، ويهيئوا حقائب العودة إلى غاباتهم، فقد انتهت الحرب التي خاضوها ليخسروا، ولن يفكّر الشعب السوري "الضحية" بثورة ربيع أخرى، على امتداد عقود مقبلة؛ لأنه لن يكون مستعدًّا لدفع مثل هذا الثمن الفادح ثانية.
ذلك بالضبط ما يدور، الآن، في ذهن "أبو بريص" ومن أرسله؛ لأن المطلوب ليس تلقين الدرس القاسي للشعب السوري وحسب، بل للشعوب العربية برمتها، حتى لا تجرؤ على النزول إلى الشوارع مرة أخرى، فالمطلوب أن تركن إلى حظائرها وسجونها، على قاعدة "إرهابٌ أهون من إرهاب".
غير أن ما فات "أبو بريص" وأمثاله أن الشعوب العربية تشبه اليوم ذلك الحصان المعصوب العينين، الذي كان يجرّ حبل الساقية ويدور حولها، إلى أن حدث مرةً أن سقطت العصابة عن عينيه، فرأى كل شيء، فتمرّد ولم يعد يقبل بذلك الدوران المزمن ألبتة.
ولربما فات "أبو جندب"، أيضًا، أن الشعوب العربية لم تعد تقبل بذلك الدعاء الخائر، الذي يردّده بعض خطباء الجمعة، ويحمل في طياته خلاصة العجز كله، وأعني: "اللهم اضرب الكافرين بالكافرين، وأخرجنا من بينهم سالمين"، فشعوبنا لن تكرّر مقولة: "اللهم اضرب الإرهابيين بالإرهابيين.."؛ لأنها باتت تدرك أنها ستكون الطرف المضروب من الطرفين، معًا؛ ولأن الإرهاب الأصغر لن يكون خادمًا إلا للإرهاب الأكبر، وحليفًا عضويًّا له. وعليه؛ فإن الربيع المقبل لن يقبل بغير ضرب الإرهابيْن معًا.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.