الغد في لبنان

الغد في لبنان

14 يوليو 2018
+ الخط -
حين يخلد كل منا إلى سريره، يبدأ تزاحم الأفكار. عند النوم، عادة ما تستيقظ المعادلات الكونية بحثاً عن أجوبة لأسئلة تعجيزية. من تلك الأسئلة: ماذا عن الغد؟ دائماً ما كان الجواب، في الوعي اليومي، متمحورا حول ثابتة من اثنتين "عش كل يوم بيومه"، أو "دع للغد مشاغله". في الحالتين، لا يقتنع العقل الباطني بهاتين الثابتتين، بل يبحث دوماً عن كيفية "تمرير المجهول"، الذي هو الغد. في الحالات الفردية، يعمل الإنسان على تحصين ذاته يومياً، وباسم "عش كل يوم بيومه"، يُجهّز نفسه لغده، وباسم "دع للغد مشاغله" يجهّز نفسه لغده. يبدو الإنسان كأنه يحارب المجهول بأسلحةٍ غير كافية، لكنه أقنع نفسه بجدواها. أما في الحالات المجتمعية، تعارض الغايات والأهداف الفردية، وبغياب قوة ناظمة مجتمعية، يعني أن الفوضى هي التي ستحكم حكماً الغد. لبنان نموذجاً.
كيف يبدو الغد في لبنان؟ حسناً يقول رئيس الجمهورية، ميشال عون، إن "لا إصلاح في مجتمع لا يريد شعبه مواجهة الفساد فيه". ويقول رئيس الحكومة، سعد الحريري، إن "من حق كل واحد أن يعرف لماذا يجب أن تتقدّم حقوق الطوائف على حقوق الدولة، لماذا يجب أن تتقدّم سياسة المحاصصة على الأصول والدستور. إن كنتم تبحثون عن وسائل لكسر القيد الطائفي في لبنان، فمهمتي أن أبحث معكم، لأنه تبيّن من كل التجارب في البلد أن الطائفية هي أسوأ لعنةٍ في نظامنا السياسي". ويقول رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، إن "وضع البلد ليس على ما يرام، وسبق أن حذّرت من الوضع الاقتصادي الصعب والسيئ. ماذا نستفيد ويستفيد البلد والناس من انهيار الوضع الاقتصادي؟ لا يجوز أن يستمر الوضع على ما هو عليه، وعلى هذا السوء الذي وصلنا إليه".
يقول الرؤساء الثلاثة ما نقوله نحن المواطنون اللبنانيون، ويتصرّفون كأنهم مواطنون، وكأن لدينا رؤساء مجهولين أو شبه دولة يحكموننا، وهم مجرد مواطنين يسألون معنا عن الغد، من دون اجتراح الحلول التي هي من مهمتهم الوظيفية، بوصفهم رؤساء دولةٍ باتت شبه بائسة. كيف يمكن الركون إلى بناء وطنٍ في ظلّ اعتبار الجميع في الدولة أن لا مسؤولية لديهم لبناء وطن أو دولة؟ لا يمكن بالطبع الركون إليهم، لكنها ليست مشكلتهم، إنها مشكلتنا نحن الذين رأينا الغد في عيونهم فوضوياً، وأردناه في دواخلنا فوضوياً. يمكننا مشاهدة التقدّم الحضاري في دولٍ ليست بعيدة عنا، ونترحّم على لبنان، وفي الوقت عينه، نرمي نفاياتنا من سياراتنا وكأن شيئاً لم يكن.
دائماً في المساء حين نسأل أنفسنا: "ماذا يخبئ لنا الغد؟"، علينا تذكّر زحمة السير اليومية والصعوبات في الحصول على الطبابة اللازمة، وسوء النظام التعليمي (يضحكون علينا بجودته) وحقنا الطبيعي في الحصول على الكهرباء والماء، قبل أن نستيقظ في الصباح، ونقول إن "الزعيم على حقّ". طبعاً إن الزعيم تمكّن من تشكيل مجموعة من البشر تهتف باسمه، وهي تلحس المبرد، وتظنّ أنها تقوم بالأمور الصحيحة، وهي غير صحيحة. لا يعقل في عام 2018 أن نخضع لسطوة زعيم مافيا في لبنان، فقط لأننا "نخشى من الغد ـ المجهول"، فالزعيم يدرك خشيتنا ويستغلنا، لا العكس.
هل نثق بتغيير ما في لبنان؟ صعبٌ جداً في الوقت الحالي، ولا يمكن تحقيق التغيير إلا حين يقرّر الناس قبل الخلود إلى النوم نهائياً أن الأفكار الواعية والأحلام المشروعة هدف لهم في الغد، لا أن يكونوا مجرد أرقامٍ في حسابات الزعماء والأحزاب. على الناس أن يدركوا أن طريق التنوير سهلٌ إذا اختاروه قبل النوم، واستيقظوا باحثين عن أهدافهم الفردية والمجتمعية. مع ذلك، حجم الفساد العقلي والاجتماعي كبير جداً في لبنان، ويبدو أن مسار تحرير العقل وتحرير علم الاجتماع طويل جداً، لكنه أفضل من ألا يأتي.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".