البحث عن جوهر السعادة

البحث عن جوهر السعادة

09 يونيو 2018

(عبد الكريم الأزهر)

+ الخط -
يعتبر الفيلسوف اليوناني العظيم سقراط أن "سر السعادة، كما ترى، لا يتم في السعي إلى المزيد. ولكن في تنمية القدرة على التمتع بالأقل". بينما يرى الفيلسوف الألماني نيتشه أن السعادة هي الشعور بأن القوة تزيد، وبأن الفرد قادر على السيطرة على المحيط عبر المقاومة". وبين هذين المفهومين المثاليين، يعيش الكائن البشري حياته، ساعيا إلى تحقيق رغبات وأحلام خاصة به، من دون أن يفكر، أو ينتبه إلى أن هذا السعي، بحد ذاته، هو للبحث عن السعادة التي يراها كل منا، لا حسب قناعاته وأفكاره، كما يفترض أن تكون، وإنما حسب احتياجاتنا ونواقصنا.
تفترض مجموعة كبيرة من البشر أن السعادة تكمن في المال، وقد يكون هذا الكلام صحيحا، ليس أن المال يشتري السعادة، لكنه بالحد الأدنى يقي من ذل الفاقة والاحتياج والسؤال، يضمن القليل من الكرامة والاكتفاء، وفي الاكتفاء سر السعادة حسب أرسطو، ولكن.. إذا كان المال يحقق السعادة فلماذا ينتحر الأثرياء؟ لماذا يتحول بعضهم إلى مدمنين على المخدرات والكحول؟ لماذا يعيش كثيرون منهم وهم يشتكون من حزن مديد، حتى أن بعضهم يهجر عزّا لديه ويتقشف، لاعتقاده أن سر السعادة في التقشف؟
وبينما هناك من يفترض أن السعادة تكمن في الحب، ومشاركة تفاصيل الحياة مع شخص آخر، فلو كان سر السعادة في الحب، فمن أين إذاً أتى الفن العظيم عبر التاريخ الذي يحكي عن الحزن الذي يسببه الحب، وعن الخيبة والخذلان وآلام الفقد والشوق والبعد؟ من أين أتت تلك القصائد العظيمة والأغنيات الرائعة؟ من أين ينبع الوجد وكسر القلب والروح؟ ولماذا تخلدت آلاف قصص الحب، بسبب نهاياتها المأساوية؟ الحب يسبب الضعف، والضعف انكسار، والانكسار حزن، لا يمنح الحب لا القوة، ولا السيطرة اللتان حكى عنهما نيتشه. ومع ذلك، يبحث كثيرون عن الحب، لأنهم يعتقدون أنهم سيكونون سعداء معه.
ويرى بعضهم أن الأولاد هم من يمنحون السعادة. لهذا يعيش المحرومون من الأولاد في حزن خفي، يتجلى لدى رؤيتهم أطفال الآخرين. وربما يعوّضون نقصهم بتبني طفل ما، أو تربية حيوانات أليفة. وربما يحسدون من لم تحرمهم الحياة من نعمة الأولاد. وفي المقابل، يشتكي الأباء والأمهات، ليس من المسؤولية الثقيلة في تربية الأولاد، وإنما من الخوف الدائم على أولادهم، ومما يسببه لهم هذا الخوف من حالة فقدان للأمان النفسي اللازم للسعادة، "أولادكم ليسوا لكم.. هم أبناء الحياة" يقول جبران، والحياة حين تأخذ الأولاد في جيوبها تتسبّب بالتعاسة للأهل.
الإيمان العميق بالإله بالنسبة لمجاميع بشرية كثيرة هو سر السعادة التي يبحث عنها الإنسان، فالإيمان يفترض التسليم بالقضاء والقدر، وهو يمنح الطمأنينة بعدالةٍ ستأتي في الحياة الآخرة، بمكافأة نهاية الخدمة على الصبر والتحمّل والشكر، وهو أيضا يولد القناعة والرضا، حسب المؤمنين، غير أنك لو سألت هؤلاء: هل هم سعداء في حياتهم؟ لأجابوك بدون تردد: "الدنيا متاع الغرور، العبرة في الآخرة".
يرى بعضهم أن جوهر السعادة يكمن في الفنون والإبداع. ويراه آخرون في الجمال. وآخرون في السفر، وهناك من يراه في الجنس. ويراه آخرون في الانغماس في ملذات الحياة. كثيرون أيضا يعتقدون أن سر السعادة يكمن في التضحية والعطاء، فأن تعطي السعادة بكأس سترتد إليك بألف كأس، حسب نظرية الكارما. هناك من يرى السعادة في العزلة، وهناك من يراها في الصداقات العميقة، وبعضٌ يعتقد أن السعادة الوحيدة الحقيقية هناك، حيث الفراغ والصمت. في الموت، فلا يتوانى عن الانتحار للوصول إليها، بعضهم أيضا يرى أن الصحة هي السعادة، فلا وجود للفرح مع جسم عليل. العمل أيضا يراه بعضهم جوهر السعادة، الاستقلالية وتحقق الذات، الحرية والحق أيضا!
كل ما سبق هو محاولات حثيثة لوصول الكائن البشري إلى السعادة، للحصول على مقدارٍ ضئيل منها، إذ إننا نعيش لنسعد، هذا ما يجب أن يكون غاية الحياة أصلا. لهذا نهرب جميعا من الحزانى، نبتعد عنهم غريزيا، نخشى من انتقال عدوى الحزن إلينا، على الرغم من أننا لسنا سعداء أصلا، لكنه ميلنا إلى السعادة، ورغبتنا فيها تجعلنا ننفر من المرضى والمشوهين والفقراء والجوعى والمشرّدين والمكتئبين.هذا النفورالذي يظهرنا عنصريين، أغلبه خوف من عدوى الحزن أن تنتقل إلينا.
ملاحظة أخيرة: لا ينطبق الكلام السابق علينا، نحن السوريين. نحن نسعى حاليا إلى أن نبحث عن الحياة.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.