الخط الممحو منذ 1967

الخط الممحو منذ 1967

06 يونيو 2018

(أنترنت)

+ الخط -
ثمّة مقولات تُطلق، في سياق تأطير سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلية في الوقت الحالي، ترمي إلى توصيف إجراءاتٍ آخذة في التشكّل، بدفعٍ من استمرار تطبيقاتها الكولونيالية، عادة ما يتم تبنيها بحرفيتها في معرض التدليل على ماهية ما يجري راهنًا، ولغاية مفارقته لما حدث في الماضي، سعيًا إلى الإيحاء بوجود قطيعة ما بين الزمنين، وبأن الزمن الحاضر أشدّ توحشًا.
تتعلّق إحدى هذه المقولات بالخط الأخضر (يرسم خطوط الهدنة من عام 1949)، الذي يتداعى، في الآونة الأخيرة كثيرًا، على خلفية اتخاذ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي خطوات تشريعية تندرج في إطار الضم الزاحف للأراضي المحتلة منذ العام 1967، من الناحية القانونية المُعلنة، ومؤداها أن تلك الخطوات تتسبّب بمحو ذلك الخط كليًّا.
غير أن واقع الحال يفيد وقائعيًا بأن هذا الخط مُحي من الخرائط الرسمية بموجب قرار الحكومة الإسرائيلية منذ 1967، وبأنه في عام 2006 طلبت وزيرة التربية والتعليم في حينه، يولي تامير (حزب العمل)، إرجاعه إلى الخرائط، وأثارت خلافًا سياسيًا شديدًا، انتهى بسقوط طلبها.
وفي فبراير/ شباط 2018، كشف الأرشيف الإسرائيلي النقاب عن وثائق جديدة، يتبيّن منها أن محو الخط الأخضر من الخرائط الرسمية تحصيل قرارات سريّة اتخذت بعد انتهاء حرب يونيو/ حزيران 1967 بأشهر قليلة.
ووفقًا لهذه الوثائق، عرض وزير العمل الإسرائيلي السابق، يغئال ألون، في الاجتماع الذي عقده المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية (كابينيت) يوم 18/10/1967، اقتراحًا ينص على عدم طباعة الخط الأخضر في خرائط إسرائيل الرسمية، والاستعاضة عنه بالخطوط التي بات الجيش الإسرائيلي مُرابطًا فيها بعد انتهاء الحرب، بما في ذلك هضبة الجولان، وسيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية. ونوقش الاقتراح في اجتماع لاحق لهذا المجلس الوزاري، عُقد يوم 12/11/1967، واتخذ فيه قرارٌ يقضي بعدم طباعة الخط الأخضر في الخرائط التي تصدرها الحكومة، كما يقضي بفرض السريّة التامّة على مجرّد اتخاذ هذا القرار.
وتقرّر، في هذا الاجتماع أيضًا، بناءً على طلب وزير الخارجية آنذاك، أبا إيبان، إرجاء طباعة الخرائط الجديدة من دون الخط الأخضر إلى ما بعد انتهاء أعمال الدورة السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة، خشية أن تترتب على خطوةٍ كهذه تداعيات دولية معقدة. ونُقشت على محضري اجتماعي المجلس المذكورين عبارة "سريّ للغاية". وسرعان ما بدأت عملية طباعة الخرائط الرسمية من دون الخط الأخضر، وهو ما انسحب سريعًا على الخرائط الخاصة أيضًا.
مع ذلك، لا بُدّ من رؤية أن هناك فرقًا بين ما كان وما يحدث الآن، لعله أن محو الخط الأخضر، في السابق، كان يهدف إلى التعمية على احتلال 1967، من دون المجاهرة علنًا بنية ضمّ الأرض الفلسطينية التي خضعت له، ما من شأنه أن يُحرج مكانة إسرائيل من ناحية القانون الدولي، في حين أن ما يحدث الآن هو مجاهرة رعناء بتلك النيّة التي عزّزتها ولا تزال وقائعُ من الصعب حصرها ميدانيًا.
وتؤكد آخر الدراسات التي تناولت المنهاج التعليمي الإسرائيلي في موضوع الجغرافيا في ما يختص بالخط الأخضر، أن منهاج المرحلة الثانوية يتطرق إلى تاريخ حدود "أرض إسرائيل" و"دولة إسرائيل"، ويذكر الخط الأخضر حتى، إلا أن كتب تعليم الجغرافيا تعرض صورةً مغايرة. وتظهر مراجعة "خريطة الدولة" التي تتضمنها ثلاثة كتب تعليمية في موضوع الجغرافيا، نتائج شبيهة. ففي الكتاب المُعدّ للمرحلة الابتدائية، لا يظهر الخط الأخضر إطلاقًا، أما مناطق أ في الضفة الغربية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، فتظهر بقعا منعزلة. وفي الكتابين المُعدّين للمرحلتين الإعدادية والثانوية، تشمل خرائط تظهر فيهما، تاريخ الحدود السياسية لإسرائيل، بما في ذلك الخط الأخضر، لكن الخريطة التي تظهر إسرائيل الحالية تشبه تلك المعتمدة في المرحلة الابتدائية. وبحسب هذه الخرائط، تمتّد "دولة إٍسرائيل" عمليًا من البحر الأبيض المتوسط حتى نهر الأردن، باستثناء جيوب فلسطينية صغيرة تبدو كبقع مُظلّلة.

دلالات