رواية السيدة النباتية

رواية السيدة النباتية

05 يونيو 2018
+ الخط -
رواية "النباتية" (جائزة مان بوكر البريطانية 2016، صادرة بالعربية عن دار التنوير)، للكاتبة الكورية هان كانغ، كتابٌ صغيرٌ مكوّن من ثلاث قصص، تتواصل من خلال شخصيات مشتركة في ما بينها، مع شخصيةٍ مركزيةٍ هي السيدة الثلاثينية، يونغهي، التي تقرّر ذات يوم، بعد رؤيتها حلما، أن تمتنع عن أكل اللحوم وكل المشتقات الحيوانية، لتتحوّل إلى النظام النباتي. 
القصة الأولى يرويها زوجها الذي يصفها، في البداية، امرأة عادية، ليس فيها ما يشير إلى غرابةٍ في المظهر، في السلوك أو في التفكير، ما يزيد من صدمته، حين يبدأ تحوّلها أمام ناظريه. القصة الثانية تُروى من وجهة نظر زوج الأخت الكبرى، وهو فنان تشكيلي يحلم بصنع عمل فني (فيديو آرت)، تمثل فيه الأخت الصغرى لزوجته، أي يونغهي، عارية. أما القصة الثالثة والأخيرة، فتدور على لسان الأخت الكبرى للبطلة وزوجة الفنان، لدى زيارتها يونغهي في مصحة للأمراض النفسية والعقلية، حيث أدخلت الأخيرة بقرار من العائلة.
للوهلة الأولى، تبدو القصة عادية: هناك سيدة ثلاثينية أنِفت من أكل اللحوم، فقرّرت أن تصبح نباتية، غير أن براعة الكاتبة هي ما يحوّل العادية هذه إلى استثنائية، مضفيةً عليها طبقاتٍ من المعاني التي تلامسنا عميقا من خلال مساءلتنا باعتبارنا بشرا، فهي سوف تمحور عملها هذا حول حلم تُطلع عليه القارئ بصوت البطلة، ومن دون أن تدركه الشخصيات الثلاث بداية، ويفسّر السبب الذي أودى بها إلى اتخاذ قرارها. يونغهي مقتنعة بأن أرواح الحيوانات التي أكلتها طوال حياتها، تتراكم فيها، بحيث باتت تمنعها من التنفّس بحرية.
"هو قلبي من يتعذّب. ثمّة ما هو عالق عند أعلى معدتي، ولا أعرف ما هو. إنه دائما هنا. وبتّ الآن أشعر به، حتى حين لا أرتدي صدريتي.. هنالك أصوات صراخ، زئير، تتراكم وتنغرز. السبب هو اللحم. لقد أكلت الكثير منه. كل تلك الحيوات بقيت عالقة هنا، أنا أكيدة، الدم واللحم يُهضمان، يتوزّعان في زوايا الجسد الأربع، لكن الحيوات بقيت متشبثةً بمعدتي بوحشية".
وبقدر ما تحاول البطلة التخلّص مما يتراكم ويثقل روحها، تحاول عائلتها ردّها عن قرارها غير المفهوم هذا، خصوصا أنها وهنت جسديا، فبرزت عظامها، وشحب لونها، وبانت عليها أمارات التعب والمرض. ولا تكتفي العائلة بنصحها ومحاولة إقناعها، بل إن الوالد، وهو جندي متقاعد، يشعر بالخزي منها، حين يشكوها زوجها له، فيمارس عليها عنفا وتعينه العائلة، حين يسعى بالقوة إلى إدخال قطعة لحم في فيها، فترفض وتتخبط وتفلت مهدّدة إياهم بسكين، ومنتهيةً إلى قطع شرايين معصمها. ينقلها زوج الأخت الكبرى إلى المستشفى، حيث تخلع ثيابها في الحديقة، وتعصر بيدها عصفورا عضّته وقتلته.
تتدهور علاقات يونغهي الزوجية والعائلية على السواء، فقط لأنها مختلفة، ولأن المجتمع، حيث تحيا، لا يرضى ولا يوافق على الاختلاف. هكذا يتحوّل النظام النباتي إلى رمز الاختلاف في التفكير أو في السلوك، بحيث نسمع الزوج المهتم بمهنته أكثر من اهتمامه بزوجته، ينتهي إلى التفكير: "كان يحدث لي حتى أن أقول لنفسي، مستسلما لفكرة زواجي من امرأةٍ غريبةٍ بعض الشيء، إنه يمكنني أن أستمرّ في العيش هكذا، مع اعتبارها غريبة، أو أختا، أو عاملة منزلية تعدّ لي وجباتي، وتقوم بالأعمال المنزلية".
باتت يونغهي غريبة في عيني زوجها، فهو قد توقف كلّيا عن مخاطبتها، في حين أنها تحوّلت إلى غرض رغبة جنسية في نظر زوج أختها الذي سيفلح في تحويل رغبته إلى عمل فني خارق. لكن، في الحالتين، الاثنان يجرّدانها من إنسانيتها إلى درجة أنها تبدأ تحلم بالتحوّل إلى نبتة، أو إلى شجرةٍ بالأحرى، رأسها في الأسفل، مطالبة بريّها، لكي تبدأ جذورها بالظهور وبالتمدّد في التراب..
تدعو رواية "النباتية"، ببراعة، قارئها إلى التفكير في معاني الاختلاف والجنون، وفي كل ما يصنع إنسانيتنا.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"