أصفار بعضها فوق بعض

أصفار بعضها فوق بعض

30 يونيو 2018

محمد صلاح مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف

+ الخط -
إذا كانت صورة الرئيس الشيشاني، رمضان قدريوف، بجوار اللاعب المصري، محمد صلاح، قد انضمت إلى قائمة عجائب السياسة والرياضة، فالأعجب ما قاله رئيس اتحاد الكرة المصري، هاني أبو ريدة، إن قدريوف التقى صلاح بوصفه مشجّعاً ومعجباً عادياً، وليس رئيس دولة. وأفاد، في المؤتمر الصحافي الذي عقده الاتحاد للرد (المُفحم) على الانتقادات، أن اختيار المنتخب المصري في مونديال روسيا العاصمة الشيشانية غروزني مكاناً لإقامته كان قراراً فنياً من المدرب، وليس من أي جهة في الدولة. ومع ذلك، فإن أبو ريدة نفسه من قال لاحقاً إنه بعدما أثيرت انتقادات حقوقية وصحافية بشأن الموضوع، تم أخذ رأي "الجهات المعنية" في الدولة، كون التصرّف قد يمس علاقات مصر وبريطانيا أو مصر وروسيا، ومن الواضح أنه تلقى أمراً بالاستمرار.
ومن المنطقي هنا التساؤل عن سبب هذا الاستنكار الخاص ضد قصة قدريوف وصلاح، بينما أجمع العالم أن الأخير ذهب إلى المونديال الذي افتتحه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليمثل بدوره استغلالاً سياسياً أهم بكثير. ومن المنطقي في السياق نفسه، التساؤل عن مدى مصداقية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حين يحاضرنا عن استقلال اتحادات الكرة، بينما خلفياتها ترتع فيها قصص فساد دائرة رئيس "فيفا" السابق، جوزيف بلاتر، وبينما نرى في مصر الأسماء نفسها تتكرر في الاتحاد والقنوات والشركة الراعية التي فجر أبو ريدة مفاجأة سرية معروفة، أن شركة "برزنتيشن" للتسويق الرياضي في مصر تملكها الدولة، وليست شركة خاصة.
ومن جانب آخر، للقصة أبعاد دولية ثنائية مباشرة، فبريطانيا في أسوأ حالات التوتر ضد روسيا بسبب أزمة الجاسوس سيرغي سكريبال، تبادلا طرد الدبلوماسيين ونحو ذلك، وصلاح تحول إلى رمز بريطاني بقدر ما هو مصري، وبالتالي كيف يظهر "رمزنا" بجوار البلطجي الخاص بعدونا؟
لا أسئلة حقيقية عن علاقة الكرة بالسياسة، فالإجابة حُسمت منذ زمن، يستحيل أن تبتعد السياسة  عن مجالٍ يهتم به مليارات البشر، وتُنفق فيه مليارات الدولارات، وأيضاً يجلب أرباحاً مثلها.
الواقعة الأشهر حدثت في مونديال 1978، حين فازت الأرجنتين باللقب للمرة الأولى في تاريخها، في البطولة التي استضافتها إبّان حكم النظام العسكري الذي وصل بانقلاب قبل موعد المونديال بعامين. وبعد جدل واسع صممت "فيفا" على إقامة البطولة في مكانها المزمع، ولاحقاً دارت اتهامات كثيرة للأرجنتين عن دفعها رشاوى سياسية لحكومة بيرو، ومالية للاعبي فريقها، للسماح بفوز الأرجنتين بمباراة الدولتين.
على الصعيد الفردي، يبدو تعصب كرة القدم والمبالغة في الفرح والغضب والحزن مجالاً للتنفيث عن مشاعر قومية وانتماءات أوسع. كانت القوميات في الماضي تخوض الحروب الدموية ضد بعضها، ويستولي الفائز على ممتلكات الخاسر، أراضيه ومواشيه ونسائه، وهكذا تتعالى صيحات التشجيع للمدافعين عن شرف القومية. تغير العالم، ولم تعد الحروب والغزوات بهذه السهولة، فأصبحت الكرة واحدة من مسارات هذا التنفيث.
من زاوية أخرى أقل تجريداً، حوّل تقدم المجالات الرياضية الكرة إلى منافسة حقيقية بشأن التقدم بهذه (الصناعة) البحتة، فمهما بلغت قدرة هذه الموهبة الفنية أو تلك، تظهر عوامل تقدّم البلد علمياً وإدارياً في قدرته على إدارة منظومة رياضية، تفرز المواهب منذ الصغر، ويتم رعايتها ببرامج جسدية ونفسية معمقة، فضلاً عن ثقافة البلاد السائدة من الإتقان والجدية أو غيرهما، بل أيضاً تظهر، بشكل ما، منافسة اقتصاديات الدولة التي أنتجت شعوباً جيدة التغذية والصحة، أو شعوباً منخفضة القدرات البدنية.
وبالعودة إلى المشهد المصري، كانت مباراة مصر والسعودية، من هذه الزاوية، تجريداً للمنافسة التاريخية بين البلدين. وللأسف، كان الرمز مُصدقاً للواقع، فخسرت مصر المباراة الرياضية، كما خسرت السياسية.
ويعرف جيلي جيداً تعبير "صفر المونديال" الذي أطلقته الصحافة عام 2010 على فشل ملف مصر لاستضافة كأس العالم، حيث لم تحصل مصر على أي أصوات على الإطلاق بعد حملة إعلامية داخلية واسعة. .. وهكذا نستعيد اليوم الأجواء نفسها، ويظهر التعبير نفسه. بعد 2010 أتت 2011، لكن ألاعيب التاريخ، مثل لعبة كرة القدم، ليست بهذه البساطة..