كعب أخيل الفلسطيني

كعب أخيل الفلسطيني

29 يونيو 2018
+ الخط -
هل يكفي الحرد الفلسطيني سبيلاً أو استراتيجية لمواجهة الاندفاعة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية؟ وهل من تفسير لصمت قيادة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير إزاء كل الحراك الجاري في المنطقة، لتسويق مشروعٍ أقل ما يقال فيه أنه يهدف إلى تصفية القضية؟. وهل وصل العجز الفلسطيني إلى هذا الحد، إذ لم يعد من حضور للطرف الأهم في المعادلة، وصاحب القضية الأول، سوى الحرد والصمت؟.. نعم كانت خطوة وقف الاتصالات مع الإدارة الأميركية احتجاجاً على نقل سفارة واشنطن إلى القدس، واعتراف إدارة دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، قراراً شجاعاً من القيادة الفلسطينية، لكن لا يكفي لكبح المؤامرة التي تحاك خيوطها أمام نظر القيادات الفلسطينية وسمعها. كما أن الصمت عما يجري في الكواليس من تواطؤ أطراف عربية، وربما فلسطينية، يرقى إلى مستوى المشاركة في الجريمة التي يجري إعداد فصولها بمشاركة دول عربية لم تعد تخجل من اتصالاتها مع إسرائيل.
صحيح أن الساحة الدولية أغلقت أمام الفلسطيني، بفعل الانحياز السافر للإدارة الأميركية لجانب إسرائيل، وهيمنة يمين صهيوني على مراكز صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وتزامن ذلك مع تراجع الدور الأوروبي، الباهت أصلاً، وانصراف الروسي إلى أولويات أخرى جعلته أقرب إلى الأجندة الإسرائيلية. وصحيح أن ما جرى من خرابٍ في الساحة العربية أصاب القضية الفلسطينية في مقتل، وقد تخلى عرب كثيرون عن قضيتهم الأولى، صاغرين أو مجبرين، لكن كل هذا العطب في الساحتين الدولية والعربية لا تكفي مواجهته بالحرد أو الصمت.
على القيادة الفلسطينية، أو بتعبير أصح على الممسكين بزمام القرار الفلسطيني، مغادرة مربعات الحرد والصمت، والتحرّك بالفعل الحقيقي لوقف جرافاتٍ تسعى إلى تسوية الحقوق الفلسطينية بالأرض، وإحالة الفلسطيني إلى متسوّل أقصى مطالبه "فتح معبر" أو "فرصة عمل". وخطة التحرّك الفلسطيني ينبغي أن تبدأ أولاً بمصارحة الشعب الفلسطيني بحقيقة ما يجري في الكواليس وفي الغرف المغلقة، وعدم التغطية على الدول العربية المتورّطة في صفقات تصفية القضية الفلسطينية، فالصمت على الدول المتورطة بتصفية الحقوق الفلسطينية مشاركة بالجريمة، مشاركة بالتواطؤ. أما التغطية على المواقف العربية المتخاذلة، من قبيل زعم الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة "إن الموقف العربي أجهض ما تسمى صفقة القرن" فهو تورّط كامل، فليس سراً أن دولاً عربية وازنة تقف في الخندق الأميركي الإسرائيلي، للتخلص من القضية الفلسطينية، بل وتطالب الفلسطيني بقبول الفتات أو "يخرس". واستنكار الصمت هنا لا يخص قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بل يمتد الى السلطة الحاكمة في قطاع غزة، إذ من غير المقبول من حركة حماس "الصيد في المياه العكرة"، أو الاكتفاء بالحرد لتحقيق مكاسب فصائلية على حساب الثوابت والحقوق الوطنية.
الإجراء الثاني والفوري المطلوب من الممسكين بزمام القرار الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة هو المباشرة في المصالحة وإنهاء الانقسام، فمن غير المعقول أو المقبول مواجهة الموجة العالية من التآمر على الفلسطيني وقضيته بعصا مكسورة وظهر مقصوم. وإذا كانت القيادة الفلسطينية تعي، كما جاء على لسان أبو ردينة، أن ما تسمى صفقة القرن "تقوم أساسًا على فكرة صفقة غزة الهادفة إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية"، فكيف لنا فهم الإجراءات العقابية التي تفرضها قيادة الشعب الفلسطيني على قطاع غزة، غير أنها شريكٌ في هذه الصفقات التي تحشر القطاع في الزاوية، تاركة أهله في العراء.
على أخيل الفلسطيني مغادرة مربعات الحرد والصمت والانقسام، وتحصين كعبه الضعيف، قبل أن يصيبه سهم سام في مقتل، أو تدوسه عجلات باص التسوية، فالصفقات المشبوهة التي تحاول النيل من المشروع الوطني الفلسطيني تتطلب ترميم جدران المنزل وسقفه بمواقف وطنية شجاعة، مُحصّنة بوحدة وطنية حقيقية تحفظ القدس والهوية والأرض، لا بإنكار المؤامرة، أو الصمت عن الشركاء فيها، أو التغطية عليهم، وهذا أضعف الإيمان.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.