لسْتَ مَجْنُونا

لسْتَ مَجْنُونا

28 يونيو 2018
+ الخط -
جاءني أحد الطلبة يشكو: وهل أنا مجنون يا أستاذ؟
قلت له: تمهل، سؤالك غريب، عجيب.
قال لي والاستغراب يشوب وجهه: وما العجيب والمثير في سؤالي يا أستاذ؟
قلت: الغريب أن السؤال لم أكن لأنتظره منك، كنت أنتظره من غيرك. قال: وما المشكلة والغريب إذن؟
قلت: لأنك تلميذ نجيب متميز فريد، أريد أن أقول مبدع.
قال بهدوء: أشك في هذه المجاملة يا أستاذ، فهل فيَ كل هذه الصفات؟
قلت: نعم، وأكثر، فأنا ألجأ إلى أجوبتك حين لا أجد ضالتي في أجوبة أصدقائك، خطك فيه فرادة وخصوصية، دفاترك منظمة ملونة بتلويناتك الجميلة الرصف والتدرج... تكتب مواضيع ليس فيها أي شيء مما في مواضيع غيرك من الطلبة، تتجنب العبث المشاع بين التلاميذ...
قال لي مظهرا تواضعه: صدقت في كل كلامك وملاحظاتك حولي.
قلت: وما الذي جعلك تطرح موضوع الجنون إزاءك وأنت الذكي المبدع؟
قال والحزن يعلو وجهه: بين حين وحين أسمع أحدهم يتحدث عني أنني مجنون، مرات ومرات وأنا أسمع ذات القول، فقرّرت اليوم أن أطرح عليك مشكلتي وأنا المعجب بتحليلاتك الفريدة للمشاكل.
قلت: لا تقلق من نعوتهم، فمنبعها كونك لست مثلهم ولا تسير على إيقاعهم، ومن طبيعة الإنسان أن يتهم من لا يشاطره في كثير من الأمور والأفعال والسلوكات اليومية، وتذَكَّر أن المبدعين متميزون عن غيرهم بكونهم ذوو عاطفة جياشة، تجعلهم مندهشين فيما لا يدهش غيرهم، فتثيرهم مشاهد وأفكار يراها غيرهم عادية لا تحتاج إلى تفكير.
هم يحبون العزلة والاستقلالية في الفعل والتدبير والإنجاز بعيدا عن عمل الجماعة لكون توجههم لا يتساوق غالبا مع توجهات غيرهم، ويرون في الأشياء الأوجه التي لا يراها غيرهم، فهم أقوياء في الملاحظة والتركيز وبعد النظر.
هم محبون لما يقومون به إلى حد الهوس، فهم يعكفون على إبداعاتهم وبحوثهم بعيدا عن اللاهين والعابثين الذين لا يستطيعون المكوث في مكان أكثر من ساعة واحدة، وهو لا يرددون جل ما يردده غيرهم، يبحثون عن المختلف والمغاير في الأمور ووجهات النظر، يختارون السكينة والهدوء بعيدا عن التصارع والعراك، يبدعون ولا يهمهم مدح هذا أو ذاك، فهم مخلوقون للإبداع، لذا ليس غريبا أن ينبثق الإبداع منهم.
قال وقد أشرق وجهه: ما قلته يا أستاذ ينطبق علي فعلا، فكل الصفات التي ذكرتها من صفاتي.
قلت: أبشر يا طالبي، فأنت مبدع ولست مجنونا، ولا تصدّق ما يقوله أصدقاؤك، فهم المجانين، وأنت الذكي المبدع.
قال قبل أن يودعني: الآن ارتحت وسعدت كثيرا لطرح السؤال عليك، فلو لم أفعل ذلك لصرت فعلا مجنونا وأضحوكة من أصدقائي.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني