زمن الآمال والخيبات

زمن الآمال والخيبات

24 يونيو 2018
+ الخط -
لم تكن الخيبات التي منيت بها الفرق العربية في كأس العالم جديدة علينا، بل ربما تأتي محاكاة لواقع عربي شامل، لم تكن المنتخبات المشاركة إلا انعكاساً له. لكن هذا لم يكن ليمنع وقوع الخيبة، خصوصاً أن آمالا كثيرة عقدت على إنجاز عربي ما في هذا المحفل الكروي العالمي، ربما يعوض نكسات وانتكاسات كثيرة تشهدها الساحة العربية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وعلى الرغم من أننا كنا نعرف أن المشاركة العربية في المونديال لم تكن لتصل بالمنتخبات إلى مراحل متقدمة، لكن ذلك لا يعني أننا لم نكن نترقب انتصاراً ما، ينقذ ماء وجه المشاركة كي لا تكون لمجرد "شرف" المشاركة.
هو عصر الآمال والخيبات، ليس في كرة القدم فحسب، بل يمكن الرجوع كثيراً إلى الوراء لإسقاط الحال الكروي على الوضع السياسي العربي، لكن النموذج الأبرز قد يكون في فترة الثورات غير البعيدة، والتي اصطلح على تسميتها "الربيع العربي". حملت هذه الفترة الآمال نفسها التي جسدتها المنتخبات المشاركة في كأس العالم، لكنها انتهت، في معظمها، إلى النتيجة نفسها بشكل أو بآخر، خصوصاً بالنسبة إلى اثنين من المنتخبات المشاركة في المونديال الروسي، أي مصر وتونس.
من تونس كانت الانطلاقة، كما هو معلوم، وهي الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تعيش على بقايا الثورة، على الرغم من الأزمات السياسية التي مرت بها طوال الأعوام السبعة الماضية، غير أن هذا لا يمنع أن الثورة في البلاد لم تصل بعد إلى ما كانت تصبو إليه، وأن الطريق أمامها لا يزال طويلاً، تماماً كما حال المنتخب التونسي الذي لم يقدم الحد الأدنى من المطلوب منه في مواجهته مع المنتخب الإنكليزي، على الرغم من تسجيله هدفاً كان الأول للعرب في المونديال العالمي، مثلما كانت فاتحة الثورات العربية.
وبالنسبة إلى مصر، سياسياً وكروياً، كانت الخيبة الكبرى على الصعيدين، خصوصاً بعد ما آلت إليه الأوضاع السياسية في البلاد بعد الانقلاب العسكري في 2013، فعلى الرغم من أن البداية كانت من تونس، إلا أن الآمال التي أحدثتها الثورة المصرية كانت مرتفعة جداً، بالنظر إلى حجم مصر وموقعها ومركزيتها في المعادلة السياسية العربية. آمال تشبه إلى حد كبير ما عقد على المنتخب في لحظة تأهله إلى كأس العالم، قياساً إلى ضمه لاعبين محترفين، في مقدمتهم محمد صلاح، غير أن الفترة الفاصلة بين التأهل وبداية المونديال لم تحمل بشائر كثيرة، قبل أن يصعق المنتخب في خسارتين متتاليتين في المونديال الروسي. هي الفترة نفسها الفاصلة بين الانتخابات الديمقراطية الأولى في مصر والانقلاب العسكري، فعلى الرغم من أن الأمور لم تكن مثالية في الفترة التالية للانتخابات، إلا أن بقاء الآلية الديمقراطية حية كان كفيلاً بالحفاظ على أمل إمكان التغيير، قبل أن تشهد البلاد الانقلاب العسكري الذي قضى على هذه الآلية نهائياً، أو على الأقل أبقى عليها بالشكل مع ضمان نتائجها مسبقاً، كما الحال في الانتخابات التي أوصلت عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة من دون وجود منافسين، بعدما تم إقصاؤهم بالتهديد أو بالاعتقال. هذا الحال هو نفسه حال المنتخب المصري الذي وصل إلى كأس العالم بعد انتظار دام 28 عاماً، وها هو يغادر هذا المحفل كما دخله، وربما عليه انتظار 28 سنة أخرى قبل أن يعيد التجربة كروياً، فيما لا يعلم المصريون إلى متى سينتظرون ليكرّروا تجربة الثورة.
ليست التجربة هي المهمة، سواء كروياً أو غير كروي، بل إدراك كيفية تهيئة الأرضية لاقتناص الفرصة والحفاظ عليها، ونيل مكاسب على المدى الطويل، إلا أن هذه الأرضية لا تزال غير موجودة، وبالتالي فالتجربة، في حال تكرارها، على الصعيدين، ستؤدي إلى النتيجة نفسها.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".