كأس العالم.. المتعوس متعوس

كأس العالم.. المتعوس متعوس

22 يونيو 2018
+ الخط -
حتى غير المهتمين بكأس العالم، انشغلوا بالمستديرة وأخبارها القادمة من ملاعب روسيا. وفي ساحات النقاش العربية، الحقيقية أو الإفتراضية، حضرت كأس العالم بنكهتها العربية، كيف لا وهناك أربعة فرق عربية (مصر والمغرب وتونس والسعودية) تشارك في البطولة.
وعلى مرارة ما لاقته الفرق الأربعة في الأسبوع الأول من التظاهرة الرياضية العالمية، إلا أن روح الدعابة والفكاهة خفّفت المُصاب، إذ راح الجمهور العربي يتندّر على النتائج التي حصلت عليها الفرق العربية المشاركة. أكثر هذه النكات كانت من نصيب الفريق السعودي الذي استهل المونديال بخسارةٍ جسيمةٍ أمام نظيره الروسي "تذكّره بأركان الإسلام الخمسة" كما تقول إحدى الطُرف. طرفة أخرى روجت على مواقع التواصل الاجتماعي قراراً لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بإستضافة المنتخب في فندق ريتز كارلتون الرياض، لاسيما بعد أن سوّدوا وجهه أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. علق أحد الإعلاميين ساخراً: "أصعب ما في خسارة المنتخب السعودي أنها وقعت برعاية الخطوط الجوية القطرية". تقول طرفة أخرى إن مصرياً أيقظ ابنه عند الفجر لأداء الصلاة، والدعاء لنصرة فريق الفراعنة على خصمه الروسي، فقال الولد لأبيه "ما فيش فايدة دول السعوديين اللي عندهم مكة خسروا". وكرّر العرب المحبطون في تعليقاتهم المثل الشهير: "المتعوس متعوس لو علقوا في رقبته فانوس"، في إشارة إلى الحظ العربي العاثر، ليس في كرة القدم وحسب.
ولم تغب نظرية المؤامرة عن الجمهور العربي، وهو يشاهد مرمى ثلاثة فرق عربية (المغرب وتونس ومصر) تتلقى أهدافاً صاعقة في الدقيقة التسعين من كل مباراة. راح أصحاب نظرية المؤامرة الكونية على العرب، في خيالهم، إلى تحكم إلكتروني غير مرئي بالكرة، بحيث يجري توجيهها عن بُعد في الدقيقة التسعين لتستقر في شباك حرّاس المرمى العرب. ويقول هؤلاء إن ما جرى في مباراة المغرب وإيران، عندما سجل عزيز بهدوز، لاعب المنتخب المغربي بالخطأ في مرماه في الدقيقة الخامسة من الوقت الإضافي يُفسّر المؤامرة، وهو ما تكرر عندما سجل المصري أحمد فتحي في مرمى فريقه. ذهب بأحد مشجعي الفريق التونسي التفكير المؤامراتي إلى حد الاعتقاد بأن الذباب أو الناموس الذي انتشر في ملعب "فولفوغراد أرينا"، حيث واجهت تونس إنكلترا، هو حشرات إلكترونية روسية استهدفت مرمى فاروق بن مصطفى، بعد أن ظل نظيفاً طول تسعين دقيقة. ويذهب أصحاب نظرية "مؤامرة الدقيقة 90" إلى دور روسي في ذلك، على غرار تلاعب موسكو بنتائج الانتخابات الأميركية التي توجت دونالد ترامب بطلاً في البيت الأبيض، متجاوزاً دفاعات خصومه، ومتخطياً هيلاري كلينتون، لاعبة السياسة المحترفة.
وبعيدا عن روح الفكاهة والطرافة، فشلت كرة القدم في حجب سُحب المناكفات السياسية السائدة في المنطقة العربية، ومنها رفع الاتحاد السعودي لكرة القدم شكوى للاتحاد الدولي لكرة القدم، بسبب ما وصفه "التعاطي الإعلامي السياسي المرفوض" الذي قامت به قناة "بي إن سبورت" بعد مباراة السعودية وروسيا الافتتاحية، داعياً إلى معاقبة القناة القطرية "تجنيباً لاستغلال الرياضة في أهداف سياسية ". في المقابل، طالبت شبكة قنوات "beIN SPORTS" الاتحاد الدولي لكرة القدم بالتحرك، واتخاذ إجراءات قانونية ضد قناة "beoutQ" التي تقرصن مباريات كأس العالم وتبثها بشكل لا قانوني، ولا أخلاقي.
مع كل الإحباط الذي أصاب الجمهور العربي، بسبب النتائج المخيبة للآمال التي عاد بها العرب من كأس العالم، إلا أن المشجعين على امتداد الخارطة العربية أظهروا "خفة دم" ممزوجة بتضامن صادق مع كل الفرق العربية، مترفعين، بكل روح رياضية، عن القُطريات الضيقة أو العصبيات المريضة. ومهما كانت نتائج الفرق العربية في كأس العالم الجاري، لا شك أن العرب بإنتظار حفل ختام بطولة روسيا الذي سيشهد لأول مرة في التاريخ تسليم راية المونديال لأيدٍ عربية، حيث تستضيف قطر كأس العالم 2022. وآنذاك، ربما تكون المنتخبات العربية المشاركة أحسن حالاً، وأسعد حظاً وهي تلعب على أرضها وبين جماهيرها.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.