فقراء مصر وزكاة العيد

فقراء مصر وزكاة العيد

22 يونيو 2018
+ الخط -
مع بداية شهر رمضان الكريم، انهالت في مصر على رؤوس المشاهدين عبر شاشات القنوات الفضائية إعلانات تحث المواطنين على التبرع لصالح مستشفيات متعددة، وكأن الشعب المصري يملك فعلياً ما يدفعه للتبرع أو للتصدق، أو لدفع الزكاة عبر تلك المصارف أو غيرها.
ولن أتحدث هنا عن أجور الممثلين الذين قاموا بهذه الإعلانات لكوني لا أعلم إذا كانوا قد تقاضوا أجوراً أم كانت هبة منهم أو تبرعاً لصالح هذه الجهات، ولكن ما يثير دهشتي أن يتم توجيه هذه الإعلانات التي لا تكاد تخلو منها قناة أو إذاعة، خلال الأربع وعشرين ساعة، وتتخلل جميع المسلسلات أو الأفلام، إذ كان أهم ما لفت نظري في هذه الإعلانات إعلان لصالح جمعية الأورمان التي تحث على كفالة أسرة أو فقير أو يتيم في جنوب مصر، ثم يأتي رئيسها ليعلن أن مصر خالية من أي فقير.. ولست أدري لماذا كل هذا التناقض، ففي وقت تطلب فيه المساعدات لصالح الفقراء، يعلن أنه لا يوجد فقراء. إذن، إلى من توجه هذه التبرعات التي تجمعها جمعيتكم؟
تخاطب هذه الإعلانات المواطن المصري البسيط أو العادي، والذي يمثل الشريحة العظمى من سكان مصر المحروسة، طالبة منه التبرع لتلك الجهة أو لغيرها، أو التقدم بزكاة ماله، أو زكاة صيامه عن نفسه وأسرته. في الوقت الذي تعلن فيه الدولة، تزامناً مع تدشين ولاية جديدة لرئيس الجمهورية، عن زيادة أسعار استهلاك المياة بنسبة 40%، إضافة إلى زيادة أسعار في معظم السلع الحياتية، والأمر الذي زاد من صعوبة حياة غالبية المصريين، إذ انهارت الطبقة الوسطى في السنوات الخمس الأخيرة، والتي كانت تشكل ما يزيد عن نصف عدد السكان، وتم تذويبهم مع الفئة الأقل فقراً أو الأكثر احتياجاً.
وفي الشهر الكريم نفسه، يوافق مجلس النواب على زيادة الرسوم المخصصة على خدمات حكومية عديدة، مثل استخراج جوازات السفر، أو تجديد رخصة قيادة السيارات، وغيرها من الخدمات التي تتم يوميا في حياة المواطن المصري، وقد جاءت هذه الزيادات بنسب فاقت المائة في المائة، وكأن الأحوال المعيشية للمواطنين تحمل إضافات جديدة لمثل هذه الأعباء.
وفي شهر رمضان نفسه، وقد شهد بلد عربي يجاورنا، وهي الأردن، مظاهرات تندد بمحاولة الحكومة رفع أسعار المنتجات البترولية، ما أدى، في النهاية، إلى سحب هذه القرارات، واستقالة الحكومة، بل كان هناك تصريح من الملك، ربما يؤخذ على أنه قيل من أجل التهدئة العامة، ملخصه أن المواطنين ليسوا وحدهم من يتحملوا أو يكونوا المسؤولين عن ارتفاع أسعار المواد البترولية، بل على أجهزة الدولة أن تقوم بدورها وتتحمل نصيبها في موجة ارتفاع هذه الأسعار. ولكن في مصر صدر قرار برفع أسعار المواد البترولية في ثالث أيام عيد الفطر، تماشيا مع سياسة صندوق النقد الدولي، وفقا لأجندة القرض المصري، وكان قد سبق ذلك رفع سعر استهلاك المياه، ثم موافقة البرلمان على زيادة رسوم الخدمات الحكومية على نحو مبالغ فيه جداً، فهل يتحمل المواطن المصري بشكل عام كل هذه الزيادات التي تأتيه تباعاً، والتي لا يسايرها زيادات في محصلة الدخل للمواطن المصري، حتى ولو كان رد بعضهم إن هناك زيادات تمت في شكل حوافز أو علاوات للعاملين في الدولة، لكنها في محصلتها لا تتناسب مع الزيادات المضطردة في كل شيء يدخل ضمن صميم الحياة اليومية.
وأظرف ما سمعته أن هناك نية من الدولة على فرض رسم دخول للجامعات المصرية قدره جنيه واحد. بالطبع يستهين بعضهم من التعليق على جنيه واحد. ولكن أليس ذلك تحميلا على موازنة الأسر المصرية، وفي المقابل لم أشاهد تحميلات على موازنات رجال الأعمال، بما يتناسب مع هضمهم الاقتصاد المحلي، ويتناسب مع تعاظم دخولهم، كأن الحكومة المصرية ترغب في تحميل المواطن البسيط فاتورة إصلاحات اقتصادية، تزعم أنها تتوجه إليها أو بها لصالح المواطنين، فهل تتحمل ميزانية الأسر المصرية التكلفة الاقتصادية الكاملة عن محاولات الإصلاح، أو يتحمل المواطن كامل متطلبات صندوق النقد الدولي، في وقتٍ يخرج فيه أحد المذيعين المشهورين، والذي يتجاوز دخله الشهري عشرة ملايين جنيه، مطالباً أن يتحمل كل مواطن من الشعب المصري حصته من الدين العام الخارجي؟
أعود إلى سؤالي الأساسي: إلى من توجه هذه الإعلانات الرمضانية التي تملأ كل القنوات الفضائية، ووسائل الإعلام الأخرى مع موسم عيد الفطر الذي تبحث فيه الأسر المخاطبة بهذه الإعلانات عن شيءٍ من الملابس قليلة الثمن، تدخل به القليل من الفرح الرث على قلوب أطفالهم؟
D44E565F-2497-48D5-98F5-54D298A46E4C
D44E565F-2497-48D5-98F5-54D298A46E4C
طارق عبد العال (مصر)
طارق عبد العال (مصر)