صندوق النقد بين التشخيص والسياسات

صندوق النقد بين التشخيص والسياسات

21 يونيو 2018
+ الخط -
شخّص صندوق النقد الدولي ظاهرة التضخم في مصر، باعتبارها ظاهرة نقدية، ناجمة عن الإفراط فـي عرض النقود، وشخّص حالة الارتفاعات المتوالية في مستويات الأسعار المحلية باعتبارها ناجمة عن فـائض الطلب، نتيجة الزيادة في حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات على المعروض الحقيقي منها، والتـي حـدثت نتيجة اختلال علاقة التوازن بين التيارين، النقدي والسلعي.
بناء على هذا التشخيص، أعد الصندوق برنامجا يهدف إلى معالجة الاختلالات النقدية التي يعاني منها الاقتصاد المصري، حيث تجاهل الصندوق في تشخيصه أن التضخم في مصر نتاج ما مارسته الحكومات من تدخلات في النشاط الاقتصادي من خلال وضع مجموعة من القيود التي تحد من كفاءة جهاز السوق في تحديد الأسـعار، بناء على تفاعل قوى العرض والطلب، كذلك الفشل في وضع ضوابط تنظم المبالغ المقدمة لدعم أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية لمحدودي الدخل. وأيضا نتيجة نقص الوعي الادخاري لدى الأفراد الذي أدى إلى انخفاض مدخرات الأفراد، ما انعكس بطبيعته إلى محدودية نطاق التعامل في الأسواق النقدية والمالية للدولة. كذلك نتيجة إغفال الحكومة الدور الرئيسي والمهم الذي تلعبه أسعار الفائدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، من خـلال ضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وبما يكفل زيادة معدلات التشغيل، ورفع الطاقة الإنتاجية وزيادة العرض الحقيقي من السلع والخدمات، والذي يؤدي إلى انخفاض فائض الطلب، وتحقيق الاستقرار في مستويات الأسعار .
بناء على تلك الإغفالات في وضع تشخيص كامل للتضخم في مصر، اتبع صندوق النقد مجموعة من السياسات التي فشل في تحقيق أغلبها، على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف العام على البرنامج الإصلاحي. وما تحقق منها كان عبئا على الاقتصاد الوطني، وخصوصا على محدودي الدخل وأصحاب المعاشات الذين يمثلون غالبية الشعب، ومن هذه السياسات: التحكم في كمية النقود، حيث تعتبر من أهم السياسات، ومن أهم مكونات برنامج الإصلاح الاقتصادي التي يـدعمها صـندوق النقـد، لما لها من دور في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، فقد فشل فيها حتى الآن، وذلك نتيجة عدة إخفاقات، منها: الإخفاق في اتباع خطط كفيلة بتخفيض العجز في الموازنة العامة، وضع حدود عليا لحجم الائتمان المصرفي المسموح به للحكومة والقطاع العام، وتحديـد سـقوف ائتمانيـة للقروض التي تقدمها البنوك التجارية للقطاع الخاص، كذلك نتيجة الإخفاق في زيادة الإيرادات الضريبية من خلال توسيع القاعدة الضريبية، وفرض ضـرائب جديـدة على أصحاب الدخول المرتفعة، حيث ما تم فرضه هو ضرائب مرتفعة على السلع الاستهلاكية الضرورية، ما أدى إلى إلحاق الضرر بشريحة كبيـرة فـي المجتمع، تمثل محدودي الدخل وأصحاب المعاشات، من خلال انخفاض القوة الشرائية لدخولهم، وبالتـالي التـأثير فـي مـستويات استهلاكهم، وأيضا نتيجة الإخفاق في مراحل تحرير الأسعار وتطبيق خطط إلغاء الدعم المخصص لتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية. فمن الناحية الإقتصادية البحتة، إن إلغاء مبالغ الدعم يعمل على تخفيض حجم الإنفاق العام، وبالتالي تخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة. ولتحقيق ذلك، كان لا بد على الحكومة من إيجاد توازن بين مكونات الإنفاق الكلي وحجم الناتج المتوقع الحصول عليه، في ظل ثبات الطاقة الإنتاجية في الأجل القصير، هذا ما تجاهله الصندوق في تلك المراحل.
ومن هذه السياسات الفاشلة، تخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية التي ثبت عدم فعاليتها حتى الآن، إذ من المعروف أن الهدف من اتباع هذه السياسة تنمية الصادرات، وتخفيض حجم الواردات وإعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات، وزيادة الاحتياطيات النقدية. هذا لم يحدث، فالصادرات زادت برقم ضئيل للغاية 300 مليون دولار، بينما تراجعت الواردات مائتي مليون دولار فقط، أما الاحتياطي النقدي فأغلب مكوناته قروض وديون خارجية.
كذلك من السياسات، جذب المزيـد مـن الاسـتثمارات، حيث أثبت فشلها، فلم يكن نصيب الاقتصاد المصري من الاستثمارات الأجنبية المباشرة سوى 4.5 مليار دولار رغم تعويم أسعار الصرف، ووضع قوانين استثمار جديدة تحتوي على قصور جعلت المنتفعين ينصب اهتمامهم على نقل ملكيـة مؤسـسات القطاع العام، وخاصة الناجحة إلى القطاع الخاص وطرح أسهمها في البورصة، بحجة أن كفاءة تشغيل المشروعات وحسن استغلال الطاقات الإنتاجية والاستخدام الأمثل للموارد لا يتم إلإ من خـلال ذلك، دون القيام بتنفيذ مشروعات استثمارية جديدة تساهم في تشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة وتحقق زيادة في معدلات الإنتاجية وتخفيض معدلات البطالة، وزيادة الناتج القومي، وتحقيق زيادة في متوسط نصيب الفـرد مـن الـدخل القومي .
إذن، قام الصندوق بتشخيص التضخم، إلا أنه لم يضع علاجا ناجعا للقضاء على الاختلالات الهيكلية ودورها في تغذية الضغوط التضخمية، فما زال تمويل عجز الموازنـة العامة والنفقات العامة يتم من خلال الاعتماد علـى مـصادر تـضخمية، وما زالت الزيادة في حجم الاستثمارات الحكومية بنسبة أكبر من الزيادة في حجم المدخرات القومية، ما يؤدي بدوره إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد، وذلك لأن تمويل الزيادة في حجم الاستثمارات غالباً ما يتم من مصادر تضخمية، وذلـك بالاعتمـاد على القروض الخارجية والإستثمارات الأجنبية غير المباشرة والإصدارات النقدية الجديدة.
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)