كلمة حلوة وكلمتين

كلمة حلوة وكلمتين

20 يونيو 2018

(منير الشعراني)

+ الخط -
صرح موظف متقاعد في وزارة السياحة المصرية بأن بلاده شهدت ازدهارا سياحيا ملحوظا في الفترة التي انتشرت فيها أغنية " كلمة حلوة وكلمتين، حلوة يا بلدي"، على الرغم من أنه في ذلك الوقت لم تكن هناك الإمكانات التي تساعد على الجذب السياحي في مصر سوى الآثار الفرعونية، لكن ذلك لم يمنع أن تكون مصر قبلة السياح، لأن هذه الأغنية بالذات كانت تردّد من فوق عربات الحنطور، وداخل سيارات الأجرة، ومن المقاهي، وتمر على ألسنة تلاميذ المدارس أيضا.
وأذكر أن شابا فلسطينيا قد أصيب إصابة خطرة في بطنه في أثناء الأحداث أخيرا في غزة، وصودف أن توفي أحد الشباب قبله بأيام، بسبب إصابته في المكان نفسه، فكانت التعليقات بين رواد المواقع التواصل الاجتماعي، وبين الناس في الحياة العامة: سوف يموت مثل رفيقه، وقد مات فعلا، لأن الجميع ربط بين الإصابة وشخصٍ مات بسببها سابقا، وقلة من توقعوا له النجاة.
في سيرة الممثل الراحل أنور وجدي، يذكر أنه قد دعا قائلا: يارب سرطان ومليون جنيه، وقد كان المليون جنيه وقتها ثروةً، والحديث عن النصف الأول من القرن العشرين. وقد تعب كثيرا وتحمل الفقر واشتهر بالبخل، حتى حصل على هذه الثروة، لكنه لم يتمتع بها حيث أصيب بالسرطان. ويقال إنه قد عرض على طبيبه نصف ثروته، إذا ما شفاه من المرض، لكنه مات، ووضع تابوته في مدخل البناية التي يمتلكها، وانشغل أقاربه عن مراسم دفنه في توزيع ثروته.
أما الممثل الكوميدي الراحل، إسماعيل ياسين، وبعد أن علا نجمه، غنّى "مونولوغا"، يقول فيه معتقدا أنه يمجد الفقر، وينبذ حسنات المال "يا رب أفقرني كمان وكمان"، والنتيجة أنه عاد إلى الفقر بعد الغنى، ومات فقيرا مدعما.
نجهل كثيرا أثر الكلمة التي نتلفظ بها، ولا نعرف أنه ربّ كلمةٍ قد تودي بنا إلى الهلاك، وأن حصائد ألسنتنا تجرّ علينا الويل والهلاك. وننسى أن الكلمة تعادل الصدقة. ولا نأخذ ما نقوله محمل الجد، معتقدين أن الكلمات لا تحمل طاقة تؤثر علينا وحولنا. على سبيل المثال، والأمثلة السابقة تتبع ما سأذكره، لا يتوقف الإعلام عن ذكر الإحصائيات التي تنذر بخراب قادم على البلاد العربية، وأن البطالة ضاربة جذورها بين الشباب، ولا فكاك من الفقر وقلة فرص العمل، وأن التعليم في انهيار، والصحة في تهالك. ولذلك، عاما بعد عام، نجد تراجعا في أوضاع بلادنا، فالشباب يزداد إقباله على السفر، والخدمات المقدمة من تعليم وصحة تزداد سوءا، والمرضى الذين يموتون في المستشفيات الحكومية في ازدياد، والتلاميذ الذين يتسرّبون من المدرس يتكاثرون.
لم تأت وسيلة إعلامية بكلمةٍ تحمل طاقة إيجابية، مثل إن ما يحدث في بلادنا العربية مرحلة لا تذكر في تاريخ الأمة العربية، وإن الخير موجود في أرضنا وأوطاننا، وإن الغرب ليس أحسن حالا منا، وإن معلمينا هم خيرة المعلمين الذين تخرج على أيديهم العلماء والعباقرة، وإن الأرض تحتاج لمن يزرعها من أيدي الشباب، وإنها أرض الأجداد والآباء، وإن التمسك فيها رسالة وواجب وطني، والرحيل عنها كارثة.
الكلمة الحلوة هي صلاح حال الأمم، والاستبشار بالخير، سواء بيننا وبين أنفسنا، أو بيننا وبين بعض، لا يجلب إلا الخير، والإصرار أن المصيبة قادمة يأتي بها، والتأكيد على أن الخراب سيحلّ بكل بلد عربي على الترتيب، حسبما تذكر التنبؤات، سيعجّل بالخراب، والدعاء بالشر في جهالةٍ منا أن ذلك يعبر عن الرغبة الشديدة أو الحب لا يسوق إلا إلى الشر، مثل عبارات يتداولها العرب فيما بينهم، على غرار "يخرب بيتك"، و"تقبرني". وقد زار الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيا مريضا، فقال له: لا بأس طهور بإذن الله، فرد الصحابي: بل هي حمى تلقيني في القبر، فرد النبي بقوله: إذن هي كذلك، فمات الصحابي بالفعل بعد أيام، فربّ كلمة تأتي بما ظنناه بعيداَ، مثل أن تذكر غائبا ثم تراه أمامك فجأة.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.