المشهد الانتخابي الرئاسي في تركيا

المشهد الانتخابي الرئاسي في تركيا

20 يونيو 2018

للتصويت في مركز اقتراع في قبرص التركية (18/6/2018/فرانس برس)

+ الخط -
اتضحت صورة المشهد الانتخابي الرئاسي في تركيا، مع انتهاء المهلة القانونية، السبت 5 مايو/ أيار 2018، وعزوف الرئيس السابق عبدالله غول عن الترشح، مع تسمية الرئيس رجب طيب أردوغان مرشحا عن حزبي العدالة والتنمية .. والحركة القومية، بينما لم تتفق المعارضة على مرشح واحد، بعد فشل التوافق على غول، فبادرت أحزابها الرئيسية إلى إنزال مرشحين عنها، وبتنا أمام ثلاثة مرشحين للمعارضة، وحتى أربعة مع ترشيح حزب الشعوب رئيسه السابق صلاح دميرطاش المعتقل على ذمة قضايا تتعلق بالعلاقة بتنظيمات إرهابية، وتهديد وحدة البلاد وأمنها القومي.
رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، وزعيم حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، قدما رسمياً، الجمعة 4 مايو/ أيار، أوراق الرئيس أردوغان مرشحا عن تحالف الشعب الجامع بينهما، إضافة إلى حزب الاتحاد الكبير. وقاعدة التحالف بين الحزبين الرئيسين قومية يمينية، أو بالأحرى بين الوسط واليمين، وثمّة توافق كبير بينهما في السنوات الأخيرة، منذ ما بعد محاولة الانقلاب في منتصف يوليو/ تموز 2016، تحديداً على الخطوط العامة للسياسة الداخلية والخارجية في الداخل. وثمة تأييد كبير من حزب الحركة القومية للسياسات الحكومية لمواجهة الانقلابيين، وهو أيّد حالة إعلان الطوارئ وتمديدها، كلما يكون ذلك ضرورياً، مع الحفاظ على الحريات السياسية الاقتصادية الاجتماعية لكل فئات المجتمع وشرائحه. أما في الخارج ومنذ سنوات طويلة، فدعم الحزب القومي في البرلمان اقتراح الحكومة تنفيذ عمليات عابرة للحدود، دفاعاً عن الأمن والمصالح القومية، كما أيّد العمليات العسكرية في سورية ضد الإرهابيين، على اختلاف مسمياتهم، وعلى الرغم من تحفظه على بعض السياسات والتوجهات، إلا أنه يدعم، بشكل عام، السياسة الخارجية المتوازنة بين الشرق والغرب، المستندة أساساً إلى المصالح القومية، كما ضرورات الجغرافيا السياسية للبلاد.
مع كتلة تصويتية لحزب العدالة والتنمية، تتراوح حول الـ45%، وكتلة تصويتية للحركة 
القومية بحدود 7% إلى 8%، و2% إلى 3% لحزب الاتحاد، وتوقع الحصول، كما العادة، على نسبة لا بأس بها من الأصوات الكردية في إسطنبول، كما في مناطق الجنوب الشرقي، تتحدث الاستطلاعات عن احتمالات جدية لحسم الرئيس أردوغان للاقتراع من الجولة الأولى، بنسبة تقارب 55%، مع صعود أو هبوط طفيف.
ستحدث المفاجأة في حال وصول الرئيس إلى حاجز الـ 60%، أو نزوله إلى حاجز الـ 50%، ما يعني، في الحالة الأولى، حصوله على أصوات من الكتلة التصويتية للمعارضة. وفي الحالة الثانية، يعني وجود تسرّب أصوات إسلامية أو قومية وسطية إلى مرشحي المعارضة، وتحديداً الإسلامي والقومي منهم.
أما المعارضة، ومع عجزها عن التوافق على مرشح واحد، ومع الفشل في إقناع الرئيس السابق، عبد الله غول، بالمنافسة، مرشحا توافقيا لها، فقد بادرت أحزابها الرئيسية إلى إنزال عدة مرشحين عنها، حيث رشح حزب السعادة الإسلامي زعيمة تمل قرا مول أوغلو، ورشّح حزب الخير زعيمته ميرال أكشينار، ورشّح حزب الشعب نائبه عن يالاوا محرم إينجي، كما رشّح حزب الشعوب زعيمه المعتقل صلاح الدين دميرطاش، لكنه لن يكون مرشحا جدّيا، وبدا الترشيح نفسه إعلاميا معنويا، ليس إلا علماً أنه قد يؤثر سلباً على المعركة الانتخابية، وربما يشتت حتى أصوات المعارضة.
رشّح حزب الشعب نائبه والقيادي البارز فيه أحد صقور الحزب، محرم أينجي. وعلى الرغم من فشله في انتخابات رئاسة الحزب مرات، إلا أنه تم اختياره مرشحا في الانتخابات الرئاسية، وهو قادر حتماً على رصّ قواعد الحزب حوله، ومنع تسرب أصواتٍ منه إلى المنافسين. ولكن سيكون من الصعوبة بمكان نيل أصواتٍ من البيئة القومية، أو الإسلامية، للتحالف الداعم للرئيس أردوغان. وفي أحسن الأحوال، قد يحصل أينجي على نسبة الـ25%، وهي النسبة التي يتمتع بها الحزب منذ فترة في الشارع التركي، واتضحت، بل تأكدت تماماً في الانتخابات النيابية التي أجريت مرتين في يونيو/ حزيران ونوفمبر/ تشرين الثاني في العام 2015 ، كما في الاستفتاء الدستوري العام الماضي.
ورشّح حزب الخير، المنشق عن حزب الحركة القومية، زعيمته ميرال أكشينار، وهي وزيرة سابقة للداخلية، وكانت من مؤسسى حزب العدالة والتنمية، قبل انضمامها للحزب القومي، ثم انشقاقها عنه العام الماضي، وتشكيلها الحزب الجديد. وبمجرد الإعلان عن الانتخابات المبكرة، أعارها حزب الشعب اليساري 15 نائباً، لتكوين كتلة من 20 نائباً للترشّح حسب القانون، لكنها كسياسية مخضرمة، ولكى لا تبقى تحت رحمة الحزب اليساري، حصلت كذلك على مائة ألف توقيع اللازمة قانونياً للترشح، في حالة الافتقاد للكتلة النيابية. وتعطيها الاستطلاعات في حدود 15% صعوداً أو هبوطاً. والأمر منوط طبعاً بقدرتها على جرف أصوات من حزبها الأمّ، الحركة القومية، كما من المصوّتين اليمينيين، أو الوسطيين الذين يصوّتون، في العادة، لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان.
رشّح حزب السعادة الإسلامي، زعيمه، تمل قرا مول أوغلو، على الرغم من أنه سعى جاهداً إلى ترشيح الرئيس السابق، عبدالله غول، مرشحا توافقيا للمعارضة كلها. وتراوح شعبية 
الحزب حول الـ 3%، لكنه سيسعى جاهداً إلى نيل جزء من الشريحة الإسلامية المحافظة التي تصوّت عادة للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، مع أن هذا قد يكون مستبعداً، في ظل تحالفه مع حزب الشعب، العلماني اليساري، إلا أنه سيمثل الهدف الأهم للحزب في الانتخابات الرئاسية. وقدّم المرشح الرئاسي السابق والرئيس السابق لحزب الشعوب، صلاح الدين دميرطاش، ترشيحه من الناحية المعنوية الإعلامية، وبالتاكيد السياسية، وتراجعت شعبيته، كما شعبية الحزب نفسه، لعدم تمايزه عن حزب العمال الكردستاني، بجناحيه التركي والسوري. ومن الصعب تصور حدوثه، حتى على الـ 10%، الكتلة التصويتية للحزب، وربما حتى أقل من ذلك.
تبدو الكتلة التصويتية الكردية مشتتة، ومنقسمة، هي الأخرى. ولا شك أن شريحة معتبرة منها ستصوّت لصالح حزب الشعوب، رئاسياً وبرلمانياً، غير أن ثمة شريحة معتبرة أيضاً، ناقمة على الحزب وسياساته، وتفريطه بالثقة التي تم منحه إياها في الانتخابات التشريعية الماضية، وسيصوّت جزء مهم منها للرئيس أردوغان، وجزء آخر للسعادة، وربما حتى لأكشينار نفسها، بعدما ارتدت ثياب الوسطية. ولكن من الصعب أن تنحاز، بشكل كبير، لحزب الشعب، الأتاتوركي، ومرشحه اليساري، في ظل مسؤوليته التاريخية عن الظلم والإجحاف بحق الأكراد، والاقتناع بعجزه عن تحقيق تطلعاتها، وخطابه المضطرب المتردّد والضبابي تجاه المسألة الكردية، كما عجزه عن القيام بدوره كحزب المعارضة الرئيسي في البلاد.
كانت المعارضة قد فشلت في التوافق على عبد الله غول مرشحا موحدا توافقيا لها. واعتمدت قصة ترشيحه أساسا على نوع من تقسيم الأدوار، حيث استعد حزب السعادة الإسلامى لإقناع غول بالترشّح توافقيا عن المعارضة كلها، في مقابل استعداد حزب الشعب لإقناع نوابه وجمهوره بدعم غول، كما إقناع ميرال أكشينار بسحب ترشحها لصالح غول، الأمر الذي لم يحدث على الجبهتين، فقد عجز كمال كلشدار أوغلو عن إقناع قيادات حزبه بدعم مرشح إسلامي ذي خلفية محافظة، أو حتى يمينية وسطية، عن حزب يساري. كما فشل كليشدار أوغلو في إقناع أكشينار بسحب ترشحها لصالح غول، كونها أصرت على وجود عدة مرشحين للمعارضة، بمن فيهم غول نفسه، عن "السعادة"، على أن تلتف المعارضة كلها حول من ينجح في الوصول إلى الدورة الثانية، علماً أن أكشينار تبدو مقتنعة بأنها وحدها القادرة على جرف أصوات من الكتل التصويتية الثلاث، اليمينية الوسطية، وحتى اليسارية.
كان غول، من جهته، منفتحاً على جهود حزبي السعادة والشعب من حيث المبدأ، كما على فكرة الترشح نفسها، لكنه أصر على نيل تأييد المعارضة، باعتباره مرشحا وطنيا جامعا لها. الأهم أنه سعى إلى نيل دعم رفاقه السابقين من مؤسسي حزب العدالة والتنمية وقياداته. والتقى، في هذا الخصوص، أحد مؤسسي الحزب، رئيس مجلس النواب السابق، بولنت أرينتش، الذي يتمتع باحترام كبير، حزبياً ووطنياً، كما التقى رئيس الوزراء السابق أحد مفكري منظري الحزب، أحمد داود أوغلو، وسمع منهم الموقف والرسالة نفسيهما. رفض دعم ترشيحه، والالتزام بتوجهات الحزب وسياساته، ومرشحه للانتخابات، أي الرئيس رجب طيب أردوغان.
وبينما يبدو تحالف الشعب الداعم لأردوغان قائماً على أسس فكرية سياسية صلبة، يبدو تحالف 
الأمة المعارض انتخابيا فقط، وثمة تباينات سياسية وفكرية واسعة بينهم. وتحالف اليمين الوسط اليسار تجمعه فعلياً الرغبة فى إسقاط الرئيس أردوغان، ومنعه من الفوز، والمضي في تقوية سلطاته، أو تكريس النظام الرئاسي وتقويته على حساب النظام البرلماني، علماً أن معارضة النظام الرئاسي تبدو أيضاً معارضة لشخص أردوغان، أكثر منها للنظام نفسه.
سيسعى حلف الشعب طبعاً إلى حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وهو يبدو مطمئناً إلى الاستطلاعات، كما لعدم امتلاك أي من المرشحين الكاريزما والقدرات اللازمة لمنافسة الرئيس أردوغان، مع التركيز بالدرجة نفسها من الاهتمام على الانتخابات البرلمانية المهمة أيضاً، حتى في النظام الرئاسي، لتمرير القوانين والمراسيم اللازمة، كما لمنع نقض المعارضة قوانين الرئيس ومراسيمه.
وستسعى المعارضة، من جهتها وبكل قوتها، إلى منع الرئيس أردوغان من الفوز في الانتخابات من الدورة الأولى، وذلك بمنعه من الحصول على أكثر من 50% للانتقال، بالتالي، إلى دورة ثانية، تتكتل فيها حول مرشح المعارضة الذي سيحوز على أعلى نسبة من الأصوات بعد الرئيس. وهذا احتمال مطروح، لكنه نظري فقط، لأن الاستطلاعات تتحدث عن احتمال قوي جداً لفوز الرئيس الحالي من الدورة الأولى، وبأكثر من 50%. وحتى إذا تم الذهاب إلى دورة ثانية، فسيكون من الصعوبة بمكان حشد فئات سياسية واجتماعية مختلفة خلف مرشح واحد للمعارضة، بمعنى أن الإسلاميين لن يصوّتوا لمرشح اليسار، والعكس صحيح. ولذلك، ستعوّل المعارضة أكثر على تحقيق الفوز في الانتخابات النيابية.