أبعاد التصويت المونديالي

أبعاد التصويت المونديالي

17 يونيو 2018

احتفال أميركي كندي مكسيسي باستضافة كأس العالم 2026(13/6/2018/فرانس برس)

+ الخط -
لم يكن التصويت العربي في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على تحديد الدول، أو الدولة، المستضيفة لكأس العالم 2026، مجرد قرار شخصي من مسؤولي الاتحادات المحلية لكرة القدم، والذين تدّعي الأنظمة العربية أن لهم حرية واستقلالية في الخيار، بمعزل عن الرغبات السياسية. الادعاء، في بداية الأمر، غير حقيقي بالمطلق، خصوصاً أننا نعلم أن دولنا العربية، سيما التي صوّتت ضد الملف المغربي في الاتحاد الدولي، لا تتمتع أي من إداراتها بأي نوعٍ من الحرية أو الاستقلالية، لذا فإن التصويت ضد المغرب، وملف استضافته كأس العام 2026، سياسي بالأساس مرتبط بأحد أطراف الملف المنافس، أي الولايات المتحدة الأميركية.

تصويت عربي لا علاقة له، أو لمعظمه على الأقل، بالتهديدات التي أطلقها الرئيس  الأميركي، دونالد ترامب، ضد الدول التي قد تصوّت ضد الملف الثلاثي المشترك بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بل هو نابع عن قناعةٍ تامةٍ، ليس باستحقاق الملف الثلاثي بالتنظيم، وهو ربما يكون كذلك، ولكن بالالتحاق التام بالخيارات الأميركية، بغض النظر عن الطرف الآخر المتضرّر من هذا الالتحاق، حتى لو كان طرفاً عربياً، كما هو الحال في تصويت "فيفا". غير أن هذا التصويت ليس إلا نموذجا لسياسات عامة لدولٍ عربيةٍ كثيرة، ولا سيما السعودية والإمارات، ومدى التماهي مع واشنطن، وربما التقدم عليها في ملفاتٍ كثيرة.
قد يكون من حسن حظ المغرب أن خسارته في مواجهة هذه المجموعة العربية رياضية فقط، وأن الأصوات العربية كلها، حتى لو صبت في مصلحة ملفه، لم تكن لتغيّر من النتيجة شيئاً. غير أن هناك ملفات أخرى خسارتها أكبر بكثير، وفي مقدمتها تأتي القضية الفلسطينية، وما يتم ترويجه في ما يتعلق بـ"صفقة القرن"، والتي تحظى بدعم سعودي إماراتي بشكل أساسي. فالسعودية تقوم بالترويج للصفقة، ووافقت على معطياتها، بغض النظر عن أبعادها ومدى تأثيرها على الحقوق الفلسطينية وحلم إقامة الدولة. الموقف السعودي، ومن خلفه الإماراتي والمصري، هو ما شجع الولايات المتحدة على المضي في الخطة، والتحضير لعرضها، أو فرضها، في القريب العاجل على الأطراف المعنية، وهنا الطرف الفلسطيني ليس كذلك، فالسعودية ومصر تقومان بدور الوصاية، وأخذا على عاتقهما الحصول على موافقة السلطة على ما يحاك ضدها.
التصويت العربي هنا ليس مماثلاً لما هو عليه في الاتحاد الدولي في كرة القدم، إذ كان سيصنع الفارق لو لم تكن بعض الدول في خندقٍ واحدٍ مع الولايات المتحدة، وفي مواجهة دول عربية أخرى تراها عبئاً عليها. وهو حقيقة ما تراه السعودية في القضية الفلسطينية، إذ إنها برأيها تحرف الأنظار عن "الخطر الحقيقي" في المنطقة، والذي تجسده بوجود إيران وامتداد نفوذها. حتى لو كانت هذه الفرضية حقيقية، وهي فعلاً موجودة وتشكل خطراً، غير أن هذا لا يعني الانقلاب على قضايا عربية أخرى، والاصطفاف في المقلب الآخر، كما هو حاصل في فلسطين وسورية.
التصويت السعودي والإماراتي والبحريني تحديداً في "فيفا"، إضافة إلى الأصوات العربية الأخرى التي ساقتها اعتباراتٌ مختلفة، قد يكون دليلاً على أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن عمل عربي مشترك أو تضامن عربي، ناهيك عن الدفاع المشترك، وهي كلها أساساً لم تكن إلا عباراتٍ رنانةً لم تطبق يوماً على الأرض، لعله حان الوقت لإزالتها من قاموس التعامل السياسي العربي، ووضعها في متحف خاص، ومعها جامعة الدول العربية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".