"هلال كوشنير" بعد العيد

"هلال كوشنير" بعد العيد

15 يونيو 2018
+ الخط -
الآن، وقد انقضى شهر رمضان، وذهب الظمأ وابتلت العروق بطيبات عيد الفطر، علينا ترقب الهلال الأميركي الذي سيطلع علينا مع وصول صهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنير، حاملاً التفاصيل الأخيرة، وربما النسخة الكاملة من "صفقة القرن". يصل كبير مستشاري دونالد ترامب إلى المنطقة، بعد عيد الفطر، برفقة المبعوث الرئاسي الخاص لعملية التسوية في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، ليضعا آخر النقاط على حروف الصفقة التي طبختها الإدارة الأميركية مع الحليف الإسرائيلي، وشركاء عرب معروفين.
ما رشح من الصفقة يشير إلى دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة على نصف الضفة الغربية وكل قطاع غزة، واحتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية على معظم الضفة الغربية ومعابر الحدود. كما تشير التكهنات إلى بنودٍ تنص على انضمام الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء المدينة القديمة التي ستكون جزءًا من "القدس الإسرائيلية"، بينما تكون مدينة أبو ديس شرق القدس العاصمة المقترحة لفلسطين. سيتم دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على نزع السلاح. وستتشارك فلسطين والأردن السلطة الدينية السيادة على الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس.
بغض النظر عن تفاصيل الصفقة التي يعدّها ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وفريقهما في واشنطن وتل أبيب، وبجردة سريعة للمشهد العربي، تبدو الساحة العربية وقد باتت إما "أهلاً" لصهر الرئيس الأميركي ومبعوثه الخاص، و"سهلاً" مبسوطاً لتمرير الصفقة، كما حال محور السعودية – الإمارات - مصر- البحرين، أو أرضاً محروقة أو غارقة في حروب أهليةٍ لا تبدو نهايتها قريبة، كما حال سورية والعراق واليمن وليبيا. ولا شك أن الولايات المتحدة الأميركية، ومن معها من دول عربية، قد عملت في الأيام القليلة الماضية على ترويض من تبقوا من دول عربية، لدفعها نحو قطار التسوية، وهذا حال الأردن الذي يتعرّض لضغوط غير خافية، لإرغامه علی قبول صفقة القرن، لا سيما الشق الخاص بقضايا الوضع النهائي، أي قضيتي القدس (يتمتع الأردن بالولاية على المقدسات فيها)، وملف اللاجئين، حيث يستضيف الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين.
وحتى الكويت التي نشطت دبلوماسيتها في الآونة الأخيرة دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية، تعرّضت، هي الأخرى، إلى تهديد مباشر من جاريد كوشنير، كان مفاده إما أن تكف الكويت عن دعم الفلسطينيين، لاسيما حركة حماس، أو أن تتعرّض لحصارٍ يشبه الحصار الرباعي المفروض على دولة قطر.
أما الطرف المحوري في المعادلة، الطرف الفلسطيني، فلا يبدو مهماً بالنسبة لكوشنير، لاسيما وهو يعيش أسوأ حالاته الداخلية. وقد عبر كوشنير عن هامشية الموقف الفلسطيني، عندما وجه رسالة واضحة للجانب الفلسطيني، مفادها:"إذا كنتم ترغبون في العمل معنا، فاعملوا معنا. إذا كنتم لا ترغبون في العمل معنا، فلن نستجديكم بعد". وفي التفاصيل، تفيد رسائل واشنطن بأن للفلسطينيين خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالصفقة كما هي، أو البقاء خارج الحل الإسرائيلي - العربي الذي سيُفرض على الجميع بقوة العصا أو حلاوة الجزرة.
العنوان الأبرز لما يحمله كوشنير هو ضرورة تصفية ملف الصراع العربي الإسرائيلي مع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعرب، والتفرّغ لمواجهة إيران بوصفها العدو المشترك الذي يتهدد دول الشرق الأوسط. ومواجهة إيران لن تكون بالـتأكيد إلا عبر حروبٍ بالوكالة، ساحاتها ممتدة من العراق إلى لبنان، ووقودها دماء العرب وأموالهم.
يبدو أن الفلسطينيين هم الخاسرون المحتملون في الشرق الأوسط الجديد. وكما قال أحد كبار المسؤولين العرب عن التحالف الاستراتيجي، "مع أو بدون خطة سلام، فإنه يحدث". وقال أحد كبار مستشاري ترامب: "إيران هي السبب في حدوث كل هذا". وكتبت صحيفة أميركية إنه عند اقتراب نهاية إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، أخبر أحد كبار مساعدي عباس مسؤولا أميركيا أن "أسوأ كوابيسنا سيتحقّق إن وجد نتنياهو طريقة لفصل دول الخليج عن الفلسطينيّين". وقال مسؤول أميركيّ سابق: "أزهى أحلام نتنياهو، وأسوأ كوابيس عباس، يمكن أن يصير حقيقة".
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.