العراق على أبواب الجفاف

العراق على أبواب الجفاف

14 يونيو 2018
+ الخط -
نهر دجلة، كما الفرات، دولي ينبع من تركيا، ليسير جنوبا باتجاه العراق فالخليج العربي، طوله 1718 كلم، تشكل نسبة مروره بالأراضي العراقية أكثر من 80%، منها (1415 كلم)، ما يمنح العراق الحقوق، القانونية والجغرافية والتاريخية والإنسانية، في استلام حصص مائية كافية ومنسَّقة مع دولة المنبع.
تتأتى مشكلات العراق مع تركيا في موضوع نهري دجلة والفرات حصريا من أن أنقرة لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والخاصة بحق دول المجرى المائي في الانتفاع من مياهه بطريقة منصفة وعادلة، كما أنها ألغت كل الاتفاقيات المبرمة بينها وبين بغداد خلال فترة الانتداب البريطاني للعراق، واعتبرت الأنهر التي تبنع من أراضيها تركية، وليست دولية، وبالتالي فإنها (تركيا) وحدها تملك حق استثمار هذه الأنهر بالطريقة التي تناسب خططها التنموية والسكانية. وليس هذا الأمر حديث عهد أو مرتبطا بولاية الرئيس رجب طيب أردوغان، فالرئيس التركي الأسبق، سليمان ديميرل، قال في تدشين سد أتاتورك عام 1992 إن "مياه الفرات ودجلة تركية، ومصادرها موارد تركية، كما أن آبار النفط تعود ملكيتها إلى العراق وسورية، ونحن لا نقول لسورية والعراق. إننا نشاركهما مواردهما النفطية، ولا يحق لهما القول إنهما تشاركانا مواردنا المائية. إنها مسألة سيادة. هذه أرضنا، ولنا الحق في أن نفعل ما نريد".
تركيا، وهي بلد جار للعراق، ولديها مع بغداد علاقات اقتصادية وسياسية وتاريخية مهمة جدا، لكن هذا لم يمنع صنّاع القرار فيها من محاولة التحكّم بعصب الحياة الرئيسي للشعب العراقي 
من خلال حملة بناء السدود على نهري دجلة والفرات داخل الأراضي التركية، ضمن مشروع الغاب الاستراتيجي (22 سداً و19 محطة للطاقة الكهربائية)، والذي تم تصميمه بأيدي خبراء إسرائيليين، منهم خبير الري شارون لوزوروف، والمهندس يوشع كالي، كما مولته تل أبيب، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وكندا، بقروض ميسّرة.
بعد ملاحظة حكومة نوري السعيد في العهد الملكي في العراق بناء تركيا أول سد لها عام 1954، وبعد مشاورات ومباحثات قادها السعيد نفسه مع الجانب التركي، تبنّى العراق خططا طموحة لبناء مجموعة من السدود على نهري دجلة والفرات ومنابعهما، منها دوكان، دربندخان، الثرثار، وسامراء وغيرها. وفي العهد الجمهوري، لم يكن موضوع السدود من أولويات الحكومات العراقية، لاستقرار أوضاع المياه من جهة، ولدخول العراق ضمن خطط تنموية مختلفة، ترتبط بالتعليم والصحة والإسكان، حتى أعلنت تركيا عن مشروع الغاب عام 1976، حيث قررت الحكومة العراقية البدء بتنفيذ مجموعة من السدود، بالاستعانة بشركات عالمية كبرى، فحقق العراق خلال عشر سنوات (1979 - 1988) السد الأكبر في العراق والمنطقة (سد صدام في الموصل)، يليه سد القدسية في مدينة حديثة، غرب العراق، سد الفلوجة، الشامية، غماس، الرطبة، حوران، حمرين، ديالى، وسد بادوش الذي بدأ العمل به ولم ينجز بسبب الاحتلال الأميركي عام 2003.
ليست الفرضية التركية جديدة طبعا، ولن تكون شعارا فقط ترتكز على مبدئين أساسيين، مقايضة الماء بالبترول، والضغط على سورية والعراق، باعتبارهما دولتين أسفل النهرين، والحصول على مواقف سياسية واقتصادية مناسبة لسياسات أنقرة، إضافة إلى تحييد هاتين الدولتين في موضوع الملف الكردي التركي.
بدأت إيران أيضا تمارس الدور نفسه تجاه العراق، خصوصا بعدما تيقنت من ضعف دور الحكومة المركزية في بغداد، وعدم قدرتها على إدارة ملفات الدولة بشكل طبيعي، فأنشأت مجموعة من السدود على أهم روافد نهر دجلة، الزاب الصغير والوند، فضلًا عن نهر الكارون الذي يصب في شط العرب.
العراق في موقف خطير جدا؛ حيث إن وزير الموارد المائية العراقي، حسن الجنابي، قال في 
جلسة استماع له في مجلس النواب العراقي، في 3 يونيو/ حزيران الجاري: "ضرر سد أليسو على العراق سيكون بالموسم المقبل، حيث إن الموسم الحالي سيستخدم العراق خزينه المائي (17 مليار متر مكعب)". ولم يبين الوزير للنواب وللشعب إجراءات وزارته أو الحكومة العراقية لتلافي أضرار السد في الموسم المقبل. وتأكيدا لما يذهب إليه متابعون كثيرون بشأن ضعف الحكومة العراقية وتداعياته على تجاوزات دول الجوار على الحقوق العراقية الوطنية والدولية، قال "العراق ليس من دول المنبع، فليس لديه سوى الحوار والتفاهم والتفاوض مع تركيا لحل أزمة المياه".
العراق، وبوضعه الحالي، وتهافت الساسة والكيانات على كرسي الرئاسة للدورة الحكومية الجديدة، لا يملك أي قدرة أو قوة للتعامل مع ملف المياه، لا مع تركيا ولا مع إيران. وعليه، يجب التنبيه أن الموضوع قد يتسبب بكارثة إنسانية وحضارية كبيرة لبلدٍ وشعب كامل. ويجب أن يكون هناك مخرج سريع، يضمن إطلاق تركيا حصصا مائية بالحد الذي يمكن معه استمرار الحياة، حتى يحين موعد أكتمال امتلاء سد أليسو. ويجب أن يسعى إلى هذا المخرج تحديدا رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي، حيدر العبادي، ومع الولايات المتحدة التي تعتبر المسؤولة الأولى عن مآلات الأوضاع المزرية في العراق (الجديد). أما الحديث الآن عن إكمال السدود أو بنائها فهو حديث هلوسةٍ، ليست في مكانها وزمانها.
بقاء المسؤولين أنفسهم عن أزمة المياه القاتلة في العراق بأي شكل من الأشكال في الحكم في العراق من مسؤولية الشعب العراقي؛ ذاك أن نائب رئيس لجنة المياه والزراعة في البرلمان العراقي، منصور البعيجي، أكد إبلاغ "الحكومة التركية نظيرتها العراقية منذ ما يقارب خمسة أعوام بتشييد سد أليسو، ودعتها إلى اتخاذ تدابير، من قبيل بناء سدود لخزن المياه، تحسباً لهذا اليوم، لكن الحكومة ووزارة المالية أهدرتا المليارات، ولم تقوما بخطوة واحدة تجاه كارثة حقيقية كهذه التي نمرّ بها اليوم".
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن