إسرائيل مُخوّلة أن تضم!

إسرائيل مُخوّلة أن تضم!

13 يونيو 2018
+ الخط -
تتابع وسائل إعلام إسرائيلية وغيرها، هذه الأيام، المناقشة الدائرة أمام المحكمة العليا لطلبات التماسٍ قدمتها إليها عدّة منظمات حقوقية، ضدّ ما يُعرف باسم "قانون التسوية"، متوخيّة أن تصدر هذه المحكمة قرارًا يلغي هذا القانون، باعتباره غير دستوري، جرّاء تناقضه مع نصوص وأحكام قوانين أساس إسرائيلية، ونصوص وأحكام القانون الدولي.
وسنّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي "قانون التسوية" هذا قبل أكثر من عام، بغية تمكين دولة الاحتلال من مصادرة أراض فلسطينية خاصة، أقيمت عليها بؤر استيطانية، تُوصف بأنها عشوائية، عبر انتزاع ملكية أصحابها الشرعيين الفلسطينيين.
ويعود سبب الاهتمام بهذه المناقشة إلى الجدل الحادّ الذي فجّره القانون فور سنّه، ولا سيما على خلفية اعتراض المستشار القانوني للحكومة عليه، ورفضه تمثيل الحكومة والدفاع عنها، وعن الكنيست، وعن القانون أمام المحكمة العليا، الأمر الذي استدعى لجوء الحكومة إلى محامٍ من القطاع الخاص، والتعاقد معه، ليتولى مهمة تمثيلها والدفاع عنها، وعن القانون، أمام المحكمة. وجرى هذا التعاقد بإذنٍ خاص من المستشار نفسه.
وفي أول جلسةٍ عقدتها المحكمة العليا، بتركيبتها الموسّعة (تسعة قضاة)، أخيرًا، دعاها المحامي الخاص إلى تجاهل القانون الدولي، وعدم اعتماد أحكامه مرجعية مُلزمة، وإلى حصر المرجعية في القانون الإسرائيلي فقط.
بماذا تفيدنا هذه الوقائع؟ تفيد بأمرين أساسيين:
الأول، أن "قانون التسوية" هو بمثابة خروج على السياسة الإسرائيلية التقليدية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة حيال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، واتسمت، حتى الآونة الأخيرة، بقدرٍ كبيرٍ من الضبابية، يهدف إلى التعمية على سياسة الضم الزاحف لتلك الأراضي، كي لا يؤدي ذلك إلى توريطها مع القانون الدولي. وبالتالي، يشكل الدفاع عنه أمام المحكمة إعلانًا صريحًا بوقوف دولة الاحتلال وراء هذه السياسة، وبأنها تريد وضع حدّ لهذه الضبابية، وأن تستأثر لنفسها بصلاحية ضم أراضٍ خاضعةٍ لاحتلال عسكري، على رؤوس الأشهاد.
الثاني، أن ما حدث، بخصوص تمثيل الحكومة في المحكمة بواسطة محامٍ من القطاع الخاص، يُعتبر إيذانًا مدويًّا ببدء عملية إفراغ مؤسسة المستشار القانوني للحكومة من مُحتواها المرغوب الذي يحيل إلى الحفاظ على سيادة القانون، بما في ذلك القانون الدولي، وبأن أقصى ما تريده الحكومة منها أن تكون مجرّد ختم مطاطيّ لقراراتها.
ولا يعني هذا التحليل أن تلك المؤسسة لم تكن كذلك، في حالاتٍ كثيرة. وربما تتعيّن الإشارة هنا إلى أن معارضة المستشار الحالي للقانون المذكور تأتي بالأساس من منطلق تجنيب الحكومة احتمال التصادم مع أحكام القانون الدولي. وسبق له أن أشار إلى أن حيازة الحكومة صندوق أدواتٍ، كافية لمصادرة أراض فلسطينية خاصة، دونما أي حاجة إلى سنّ قانون خاص لهذا الشأن، يعتبر قرينةً حيّةً للتلبّس بالجُرم.
وهذا هو بالضبط ما شدّد عليه مقدمو طلبات الالتماس ضد "قانون التسوية"، بقولهم إنه على الرغم من أن موقف المستشار القانوني يدعم إلغاء القانون المذكور، فإنه يظلّ موقفًا إشكاليًّا للغاية في مضمونه، ويتعارض تمامًا مع وجهة نظر القانون الدوليّ، إذ إنّه حتى في سياق تفسيره ذلك، اعتبر شرعنة المستوطنات في أراضي 1967 "هدفًا مقبولًا"، لافتين إلى ما جاء سالفًا أن معارضته القانون جاءت لأن إسرائيل تمتلك اليوم الأدوات الكافية لتحقيق هذا الهدف، ولمصادرة الأراضي الفلسطينيّة الخاصّة التي أعطيت للمستوطنين.
في ضوء ذلك، حتى لو أصدرت المحكمة العليا قرارًا يقضي بإلغاء القانون، لن تعدم الحكومة الإسرائيلية الوسائل الكفيلة بإكساب إجراءات نهب الأرض الفلسطينية الصبغة القانونية، فمثل هذه الإجراءات سبقت القانون بكثير، وستظل لاحقةً عليه.
ومع أن هذا القانون لم يُصادق عليه في حينه إلا بأغلبية أصوات نواب الائتلاف الحكومي، فإن أصوات النواب الذين صوّتوا ضدّه من صفوف المعارضة، انطلقت من دافع معارضة الضم الذي يتسبّب بشمل عشرات ألوف الفلسطينيين ضمن تخوم الدولة اليهودية، لا من وجود مشكلةٍ لديهم مع المستوطنين، أو المستوطنات، في أراضي 1967.