منتخب الأرجنتين ومقاطعة إسرائيل عالمياً

منتخب الأرجنتين ومقاطعة إسرائيل عالمياً

12 يونيو 2018

رسم لكارلوس لطوف وزعته حركة مقاطعة إسرائيل

+ الخط -
ألغى اتحاد كرة القدم الأرجنتيني المباراة الودية التي كان مزمعا إقامتها في 9 يونيو/ حزيران الحالي، بين المنتخبين الأرجنتيني والإسرائيلي، في مدينة القدس المحتلة، الأمر الذي شكل انتصاراً لأنصار الحرية والعدالة إجمالاً، ولحركة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS)، ولجميع من ساهم في حملة الضغط الشعبية، من أجل إلغاء اللقاء، من إسبانيا إلى الأرجنتين، مروراً بدول عربية وأجنبية عديدة، غير أنه يبقى انتصاراً آنياً، قد لا يدوم طويلاً، إن لم تتم المسارعة إلى دعم حركة المقاطعة بشكل مباشر وغير مباشر. كما قد تتعرّض مجموعة كبيرة من انتصارات حركة المقاطعة إلى خطر التراجع عنها في الأيام المقبلة، وهو ما لا ينقص من أهمية هذه المواقف، بقدر ما يشير إلى حاجة الفلسطينيين إلى تطوير النضال المحلي والعالمي في شتى المجالات، ومنها حركة المقاطعة، حتى يستعيدوا جميع حقوقهم المستلبة. فقد نجحت (BDS) في غضون الشهر الماضي (مايو/ أيار) وحده في تحقيق ما يزيد عن تسعة انتصارات مهمة، منها إلغاء المباراة التي كان مقررا أن تتم في ملعب مقام على أنقاض قرية فلسطينية في محافظة القدس، وإلغاء حفل المغنية العالمية شاكيرا في تل أبيب، إلى انسحابات بالجملة من مهرجان سينمائي في تل أبيب، إلى مقاطعة فنية واسعة لموسم فرنسا - إسرئيل الثقافي.

لذا ومن أجل حماية إنجازات حركة المقاطعة أولاً، ودعمها وتطويرها ثانيا، يحسن التمعّن في الأسباب التي قد تؤدي إلى ضياع هذه الإنجازات أو خسارتها. ومنها طبيعة العمل الإسرائيلي اللاأخلاقية، المنظمة ضمن أطر ومؤسسات، والمستمرة، المنطلقة من ضرورة تجاوز هزائم الحاضر والماضي القريب والبعيد، من أجل مواصلة العمل، حتى تحقيق أهداف الاحتلال، مثل مواصلة العمل من أجل إلغاء مواقف المقاطعة، وبجميع الطرق المشروعة منها وغير المشروعة، من الإغراءات المالية إلى حملات الابتزاز والضغط الإعلامي والسياسي، وأحيانا الأخلاقي، على المقاطعين خصوصا، ومناصري الـBDS ونشطائها عموماً، وهو ما يجعلنا أمام معركةٍ مستمرةٍ، لن تنتهي إلا باستعادة حقوقنا كاملة.
كذلك يشكل فهم الدوافع الحقيقية الكامنة خلف مقاطعة إسرائيل اليوم من مشاهير عالميين أحد أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى تراجع بعضهم عن مواقفهم. حيث تساهم التغطية الإعلامية الكبيرة والمباشرة لمسيرات العودة، من غالبية، إن لم نقل جميع، المحطات والوسائل الإعلامية المحلية والدولية كل يوم جمعة، ومنذ قرابة الشهرين، في الكشف عن فداحة العنف والإرهاب الإسرائيلي الذي لم يتوان عن إطلاق الرصاص الحي والمطاطي والقنص والقصف، في مواجهة مسيرات الفلسطينيين السلمية التي ينفذها أبناء قطاع غزة المحاصر، ليعبّروا عن تمسّكهم بحقوقهم المسلوبة، وفي مقدمتها حق العودة. ما دفع نجوما عالميين فنيين ورياضيين عديدين، مثل لاعبي المنتخب الأرجنتيني، إلى النأي بأنفسهم عن أي نشاطٍ قد يجيّر لصالح إسرائيل، سواء داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، لا سيما في الوقت الراهن الذي تنتشر فيه مشاهد الإرهاب الإسرائيلي. وهو ما يمكن تلمسّه من خلال بيانات المقاطعة العديدة التي تعبر عن آنية قرار المقاطعة، بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ عبّر جزء مهم من هؤلاء المشاهير عن آنية هذا القرار، فاتحين الباب مستقبلا من أجل تنظيم المشاركة في فعالية جديدة أو ترتيبها، وبشكلٍ يجنّبهم ربط صورهم الإعلامية بصورة الإجرام الإسرائيلي، من خلال تأجيل النشاط إلى حين تراجع مشاهد الإرهاب والعنف الإسرائيلي بحق المتظاهرين الفلسطينيين السلميين، عند توقف المظاهرات السلمية، نتيحة تعب المتظاهرين، أو لانجرار الفصائل الفلسطينية نحو العمل العسكري.
ومن جهة أخرى، ينطلق جزء كبير ومهم من المشاهير والمثقفين العالميين، في مقاطعتهم إسرائيل، من قناعتهم بحق كل من الفلسطينيين واليهود في تشييد دولتهم المستقلة، وهو ما تعيق إسرائيل تحقيقه، استنادا لتفوقها العسكري والاقتصادي.. إلخ. لذا يتم استخدام سلاح المقاطعة في محاولة منهم لثني إسرائيل عن جميع الممارسات التي تحول دون تشييد دولة فلسطينية مستقلة على جزء من أرض فلسطين التاريخية، تكون مجاورةً لدولة إسرائيل. وبالتالي تجد غالبيتهم أن إقامة دولة إسرائيل على الجزء الأكبر من أرض فلسطين حق لا نقاش فيه، كونه يجسد حق الإسرائيليين، أو اليهود، التاريخي في أرض فلسطين أو جزء منها، الأمر الذي يعني أننا أمام مجموعةٍ تستخدم المقاطعة ورقة ضغط على إسرائيل، من أجل ثنيها عن الاستمرار في سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها، وعن جميع السياسات التي تقوّض بناء الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967.
وبالتالي، نحن أمام مواقف عالمية شعبية ونخبوية توجه صفعةً قوية إلى الاحتلال، وإلى مجمل سياساته، إلا أنها لا تشكل داعماً ونصيراً حقيقياً لمجمل النضال الهادف إلى استعادة جميع
الحقوق الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، تشكل أرضيةً خصبةً ومهمةً، من أجل دحض رواية دول العالم الأول، من بريطانيا إلى أميركا، عن طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر استثمار هذه المواقف والأحداث، في تعميم الحقائق التاريخية والقانونية التي تؤكد على مجمل الحقوق الفلسطينية والعربية، والتعريف بأعمال الإجرام والانتهاكات الإسرائيلية التاريخية والراهنة. وأولها مسؤولية الاحتلال عن تهجير الفلسطينيين قسريا من مدنهم وبيوتهم منذ النكبة في العام 1948، وهو ما يعني توضيح جميع الإجراءات الإسرائيلية المتبعة اليوم من أجل تهجير الفلسطينين قسريا من مدينة القدس، والأراضي المحتلة في 1948، ومن قطاع غزة، من خلال ممارسات عسكرية وقسرية، مثل حصار قطاع غزة، أو عبر إقرار الكنيست والحكومة والقضاء الإسرائيلي جملة من القوانين والمواقف العنصرية والإجرامية بحق الفلسطينيين، تحت غطاء قانوني كاذب.
ويمثّل هذا الأمر أحد أهم جوانب دعم حركة المقاطعة، وخصوصاً العربية، التي تنطلق من مجمل الحقوق الفلسطينية والعربية، والتي تخوض صراعا ثقافيا غير ظاهر مع مجمل حركة المقاطعة العالمية التي تتبنّى خيار الدولتين حلا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وذلك بهدف إحداث تغيير جذري ونوعي في التعاطي الشعبي والنخبوي مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي، عبر دحض الخطاب الإعلامي والسياسي الدولي، من خلال خطاب فلسطيني مبدئي وعلمي، موثق بالأدلة المناسبة التي تؤكد كذب الرواية الإسرائيلية والاستعمارية، لصالح التعريف بجميع الحقوق الفلسطينية المستلبة.