المواطن والـ "40 قَربوُطة"

المواطن والـ "40 قَربوُطة"

12 يونيو 2018
+ الخط -
تستخدم "القربوطة" (الكرافات) لإضفاء لمساتٍ جماليةٍ على الرجال، وتجعل منهم أيقونةً للأناقة والزينة والرقي والتقدم، وهي تُلبس، في أوقات متعددة ومتنوعة، ولها بروتكولات خاصة في الملبس، وباختيار النوع، وهي متعدّدة الألوان والأشكال والأحجام، ويتم الاحتفال بيوم ربطة العنق الدولي يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول في مدن مختلفة حول العالم.
وبتعدد مُرتَديها، فإن تلك التعقيدات تنعكس مباشرة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في قطاع غزة، من خلال افتقاره إلى لابسي القربوطات، منذ آذار/ مارس الماضي، فلم نر منذ ذلك الوقت أحد من رابطي العنق، والذين غابت شمسهم عن قطاع غزة، وبقي القطاع يُحكم برابطي الجأش.
يقول أحد أصحاب المصانع المدمرة خلال عدوان عام 2014، أنه زاره وفد رفيع، من الوزارة المختصة بإحصاء الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، وطأت أقدام المسؤول الرفيع أرض المصنع المحترق، وتغبر حذائه، بعدما خطى خطوات بين الأنقاض. ولكن الملفت للنظر، أن ذلك المسؤول الرفيع كان يلبس "قربوطة" وردية جميلة أنيقة، تفوح منها رائحة العطر الذي اختلط برائحة البلاستيك المحترق نتيجة الحرب، يقول صاحب المصنع: "لقد استفزني ذلك المشهد، أكثر مما استفزني مظهر المصنع وهو يحترق، إذ كيف يأتيني مسؤول حكومي رفيع المستوى بربطة عنق وردية، ليقول لي سنعوضكم ولو بعد حين، وإلى الآن لم يأت"، حسبما يقول صاحب المصنع.
يتفنن أصحاب ربطات العنق في إضفاء مزيد من المعاناة على سكان قطاع غزة الذين أنهكهم الفقر والحصار، وأرهقتهم تفاصيل التناحر الإعلامي بين فصائله، وأُربكت حساباتهم مع كل صاروخ ساقط من الطائرات الإسرائيلية، في ظل الواقع الذي تفرضه إسرائيل على سكان القطاع، بين حين وآخر. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يتم تجزئة رواتب الموظفين وتأخير معاشات المتقاعدين والحالات الاجتماعية، وأهالي الشهداء والجرحى والأسرى، ويبقى أصحاب تلك الربطات يصولون ويجولون في أروقة الحكومة، وبين مُكيفات هوائها النقي العذب، وفقاً للمثل "شوفيني يا بنت خال".
يتسع حجم الفجوة شيئاً فشيئاً بين الحياة التي نعيشها وتحقيق الأحلام في قطاع غزة، فالمواطن الغلبان يصحو يوماً بعد آخر على دعوات لحضور والمشاركة في جنازة سكان القطاع الأحياء، بشبابه وشيوخه، بأطفاله ونسائه، نتيجة تراكم الأزمات، والتي باتت أخيرا تهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
يكادُ رابطو العنق يتناسون أن أناشيد الوطن المهدوم، والمسلوب من الوريد إلى الوريد، قد تم تفريغها من عقول البؤساء والفقراء والضعفاء، وباتت ألحان، قرع الصحون الفارغة، واللهثُ خلف رغيف الخبز، وتوفير حياةِ شبه كريمة للمواطن، أناشيد جديدة يُردّدها الصغار قبل الكبار، في شوارع القطاع الحزين وحاراته، وفي النهاية مطلوب منا أن نُعلم أولادنا أن نشيد العروبة "موطني"، لا بديل ولا خيار عنه.
وصلت حالة الغليان والتذمر في الشارع الفلسطيني إلى ذروتها، نتيجة تقاعس أصحاب القربوطات عن أداء دورهم الحقيقي في نجدة وخدمة المجتمع الفلسطيني، وتقديم له الحلول المرضية، من أجل ضمان خروجه من عنق زجاجة الانقسام والحصار، وينتظرون منهم أيضا تحسين ظرف حياتهم المعيشية، والارتقاء بهم من درجات الفقر المدقع إلى سلم الحياة الكريمة.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)