في الترحيب بعلاء مبارك

في الترحيب بعلاء مبارك

11 يونيو 2018

علاء مبارك يصل من الحبس إلى المحكمة (2/6/2012/فرانس برس)

+ الخط -
مجدداً، ظهر علاء، النجل الأكبر للرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، قبل أيام، في صلاة الفجر في مسجد الإمام الحسين وسط القاهرة. وهو أحد أشهر المساجد في مصر، ويرتاده يومياً آلاف المصريين من مختلف الشرائح الاجتماعية.
كان ظهور علاء محدوداً في فترة حكم والده، وتركّز في مناسبات رياضية، وخصوصاً حضور بعض مباريات كرة القدم. وبعد خروجه من الحبس الاحتياطي، شارك في مناسبات اجتماعية، للعزاء أو للتهنئة. لكن ظهوره، هذه المرة، كان في مكان عام، شعبي، ديني. وفي شهر رمضان، حيث الطبيعة الروحانية ومشاعر الزهد والطاعة والتسامح. وربما انعكس هذا الجو الروحاني في احتفاء المُصلّين بعلاء.
علاء وجمال مبارك ليسا أول العائدين إلى الحياة العامة من رموز نظام والدهما، فقد سبقهم الجميع تقريباً. وعلى خلاف بقية أركان النظام غير المعروفين شعبياً على نطاق واسع، فإن لوَلَدي مبارك وضعاً خاصاً، إذ كانا في بيت الحكم. وكان أحدهما قاب قوسين أو أدنى من كرسي السلطة، بل كان يمارسها فعلياً.
وعلى الرغم من أن ظهور علاء مبارك مجدّداً قد لا يتضمن مدلولاتٍ سياسية مباشرة، لجهة لعب دور أو ممارسة العمل السياسي مجدّداً، خصوصاً أن علاء لم يكن سياسياً، ولم يتول أي منصب رسمي خلال حكم والده. لكنه بالتأكيد يحمل دلالاتٍ مهمة في أكثر من اتجاه. أولها أن تلك العائلة التي اضطلعت بحكم مصر، وكادت تتوارثه، لا تزال موجودة في المجال العام، وتتحرّك في الشارع المصري، بينما كان يفترض أن تنزوي تماماً وتختفي عن الأنظار. إن لم يكن لدواعٍ قانونية، بسبب اتهامات موجهة لها، ولم تغلق ملفاتها بعد، فعلى الأقل لاعتباراتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ، بسبب المعاناة المريرة التي تكبدها المصريون خلال فترة حكم عائلة مبارك. لكن يبدو أن ذلك الافتراض ليس سوى تمنياتٍ لا أساس لها في الواقع المصري، الراهن على الأقل.
المؤسف أن جرأة أبناء مبارك وإطلالاتهم المتكرّرة على المصريين في مناسبات متنوعة، وإن كانت اجتماعية أو شخصية، لا تأتي من باب المباهاة بالفساد أو العزة بالإثم، بل من بابٍ أدهى وأمرّ، انتفاء الشعور بأن ثمة إثماً ارتُكب أصلاً.
والأسوأ من ظهور جمال أو علاء مبارك، هو رد الفعل عليه، خصوصاً من المواطنين المصريين العاديين. وعلى الرغم من وقار مناسبة صلاة الفجر وقدسية المكان، كان المشهد داخل مسجد الإمام الحسين في القاهرة أقرب، في جوهره، إلى كوميديا سوداء. بل كوميديا مقلوبة، يقدّم فيها المتفرجون أداء هزلياً، يفتقد المنطق، ويُسقط الماضي ليعاند الواقع. بينما يضحك الممثلون بأريحيةٍ وانتشاء، كأنهم يضحكون من مشاهديهم وليس معهم. حتى أن المرء يحتار، أيهما المؤدّي ومن المتلقي؟
لا أفضل التفسيرات الأحادية للظواهر الإنسانية، خصوصاً المرتبطة بسلوك البشر، المعقد بطبيعته. لذا لا يصح الاكتفاء في تفسير الحفاوة التي قوبل بها علاء مبارك في مسجد الإمام الحسين بأنها فقط رد فعل يعكس استياء المصريين من الوضع الراهن. من يراجع الفيديو المصوّر لازدحام المواطنين حول علاء مبارك داخل المسجد يلحظ، بسهولةٍ، أن بعضهم من مرافقيه، وكانوا يحيطون به لحمايته. وكان آخرون يوثقون المشهد بكاميرا الهاتف، وهناك من كانوا فعلاً يحيونه بحرارة وود. بالتأكيد كان بين الحاضرين مستاؤون ورافضون عودة آل مبارك إلى الحياة العامة. لكن المؤكد أيضاً أنهم ليسوا الغالبية.
المؤكد أيضاً أن العشرات الذين أحاطوا بعلاء مبارك في مسجد الحسين عينة مُمثلة لشرائح واسعة من المصريين. وكما أن للمصريين مواقف متباينة تجاه الوضع القائم حالياً، فبعضهم ليس لديهم مشكلة معه وبعضهم يستفيد منه، بينما قلة ترفضه أو تتضرر بسببه، فإن مواقفهم تتباين أيضاً تجاه عهد مبارك وابنيه، وليس من المنطق قياس تلك المواقف بمعايير نظرية، أو وفق تجارب شعوب أخرى، تركيبتها النفسية وخبراتها التاريخية مختلفة. حتى وإن توهم الكاتب أو تمنى غير ذلك.

دلالات

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.