"الأصالة والمعاصرة" المغربي.. مشكلة زعامة؟

"الأصالة والمعاصرة" المغربي.. مشكلة زعامة؟

11 يونيو 2018

أنصار لحزب الأصالة والمعاصرة في الرباط (5/10/2018/فرانس برس)

+ الخط -
تمكّن حزب الأصالة والمعاصرة في المغرب أخيرا، بعد حملة من التعبئة والتعبئة المضادة، من تجاوز أزمة تنظيمية، استمرت عدة أشهر، عقب استقالة أمينه العام، إلياس العماري، في شهر أغسطس/ آب المنصرم، تفاعلا منه مع الخطاب الملكي لعيد العرش الذي تضمن نقدا قاسيا للنخبة السياسية المغربية، وصل إلى حد التعبير عن فقدان الثقة برجال السياسة؛ "وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟".
جاءت استقالة إلياس العماري من منصبه، وكان رابع أمين عام للحزب، بعد مضي قرابة سنة ونصف السنة على توليه مهمة قيادة حزب الجرار الذي يستعد للاحتفال، بداية شهر أغسطس/ آب المقبل، بالذكرى العاشرة لتأسيسه على يد فؤاد عالي الهمة، بعد انضمام خمسة أحزاب صغيرة إلى حركة "لكل الديمقراطيين"، معلنين ولادة حزب الأصالة والمعاصرة.
نقيض الأمناء العامين السابقين، لم يكن طي صفحة العماري، على الرغم من قصر مدتها؛ أمرا هينا داخل الحزب، نظرا للأدوار التي كان يلعبها الرجل، حتى قبل توليه منصب الأمين العام. وجد العماري نفسه رجل الظل القوي في التنظيم، بعد تعيين مؤسس الحزب مستشارا في الديوان الملكي؛ عقب انسحابه في مايو/ أيار 2011 جرّاء احتجاجات الربيع العربي. وخير دليل على هذه المكانة استمرار السجال بين أنصاره ومعارضيه داخل الحزب، بشأن استقالته طوال الأشهر العشرة الماضية.
توحدت قيادات الصف الأول داخل الحزب؛ ممن كانت ضحية استفراد العماري بتدبير الحزب، متناسيةً الخلافات والشنآن القائم بينها حتى الأمس القريب، ودخلت الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني أخيرا، وكلها عزم وإصرار على إخراج الحزب من أزمته، بانتخاب أمين عام جديد. مع الحرص على ألا يكون من الموالين للأمين العام السابق، حتى لا يبقى الحزب رهين التيار المسيطر نفسه.

اختار أعضاء المجلس الوطني لثاني أكبر قوة سياسية في البرلمان المغربي (102 مقعدا) أمينا عاما جديدا، في انتخاباتٍ، ظاهرها تعدّدي وباطنها مرشح وحيد، بعد تراجع رموز الحزب عن الترشح (الحبيب بلكوش، مصطفى الباكوري، صلاح الدين أبو الغالي..)، تاركة المجال لأسماء مغمورة أرانب للسباق، حتى يقال إن الانتخابات مرّت في أجواء شفافة وديمقراطية.
فاز ابن الريف حكيم بن شماس؛ الناطق الرسمي باسم الحزب سابقا، ورئيس مجلس المستشارين حاليا، بأغلبية أصوات الحاضرين بما مجموعه 439 صوتا، فيما حصل منافسوه غير البارزين على أصوات ضعيفة جدا؛ فمحمد صلوح صاحب المرتبة الثانية نال 39 صوتا فقط. وبهذا يقطع أعضاء "الجرار" مع دابر مرحلةٍ احتكر فيها تيار العماري الحزب، إلى درجة وجد فيها بعض المؤسسين الأوائل أنفسهم يستجدون منابر إعلامية خارجية للتعبير، بعدما ضاقت بهم القنوات التنظيمية جرّاء هذه الهيمنة.
تختلف التقديرات بشأن هذا المنعطف الذي يدخله أكبر حزب معارض في المغرب، بين من يرى في ما جرى مؤشرا على تغيير إيجابي في مسار الحزب، قصد مسايرة التحولات الكبرى التي يعرفها المجتمع المغربي. فيما يرى آخرون أنه مؤشرٌ على بداية نهاية حزب الأصالة والمعاصرة، بعدما أيقنت السلطة أنها لم تعد قادرةً على تحمل تكلفة رعاية حزبٍ متضخمٍ، بلا تأثير واضح في المشهد السياسي.
تحمِل محطة 26 مايو/ أيار في تاريخ "الأصالة والمعاصرة" مفارقات عديدة، فانتخاب حكيم بن شماس أمينا عاما لحزبٍ يقود المعارضة في البرلمان المغربي تم في مجلس وطني؛ وليس في مؤتمر وطني على غرار باقي الأحزاب. زيادة على أن أكثر من نصف الأعضاء تخلفوا عن الحضور؛ فمن أصل 1076 عضوا في المجلس الوطني، لم يحضر هذه الدورة الاستثنائية سوى 537 عضوا.
يسعى الحزب إلى استعادة ثقة الأعيان الذين يشكلون الحلقة الأهم في البنية الحزبية بالدعم المالي، والقدرة على النفاذ إلى السوق الانتخابي، بعدما فقدهم بفعل الصراعات التي شهدتها فترة استحواذ خط العماري على الأجهزة التقريرية للحزب. وفي المقابل، يبعث إلى هؤلاء رسالة سلبية، بعد انتخاب بن شماس، مفادها الحرص على استمرار الجيل المؤسس لحركة كل الديمقراطيين في احتكار القيادة من خلال آلية التناوب التوافقي، بعد أن مر من الأمانة العامة حسن بن عدي (2008-2009) ومحمد الشيخ بيد الله (2009-2012) ومصطفى بكوري (2012-2016) وإلياس العماري (2016-2018).
في وقت انتظر فيه المتابعون للمشهد الحزبي المغربي أن يبلور زعيم "الأصالة والمعاصرة" الجديد خطابا يتماشى والتحولات التي يعرفها الشأن الداخلي المغربي، بعدما تراخت آثار حملة المقاطعة الشعبية لإحراق أوراق سياسية قبل أوانها (مشروع حزب رجال الأعمال). اكتفى
باستعادة أسطوانة محاربة الإسلاميين بلغة إقصائية؛ في خريطة الطريق التي قدمها أمام أعضاء الحزب بالدعوة إلى "حماية المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي من مخاطر الإسلام السياسي والتوجهات الشعوبية واحتواء أزمات التمثيلية والوساطة".
أكثر من ذلك، لا يتردّد في الكشف صراحة عن نواياه مواجهة حاملي مشروع الإسلام السياسي؛ الحزبي أو الدعوي أو المدني، داخل مؤسسات الحكامة المنصوص عليها في الفصول في الدستور، وداخل مؤسسات الدولة من مجالس وطنية وهيئات استشارية. في حين أن إحداث هذه الهيئات التمثيلية يأتي من باب الحرص على الديمقراطية التشاركية، وضمان التعددية والحوار.
قد يكون اختيار بن شماس الذي يشغل منصب رئيس مجلس المستشارين فيه أيضا تقوية له وللحزب في مركز صنع القرار داخل مؤسسات الدولة، بحكم الترتيب البرتوكولي الذي يحتله، بصفته رابع شخصية عامة في البلاد؛ بعد الملك ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. لكن تثار، في المقابل، مسألة "الطابع الصدامي" لشخصية الرجل، وعلاقاته المتوترة مع الأحزاب السياسية، ما سيكون له انعكاس واضح على مستقبل الحزب الذي يبحث عن بوصلةٍ تمكّنه من الاهتداء إلى المسار السليم. بوصلة لا يبدو أن قيادة بهذه المواصفات، تدشّن مسارها بفتح جبهاتٍ جديدة للصراع، فيما هي غير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها في ملفاتٍ صغيرة جدا، مثل ملف متابعة الصحافيين الأربعة أمام القضاء، بسبب التسريبات، وقبله قضية شراء فيلا في ضواحي العاصمة الرباط، قادرة على الاهتداء إليها بغية إطلاق صفحة جديدة لحزبٍ لم يستطع التخلص من لعنة الولادة الأولى (حزب السلطة) بعد حوالي عقد.
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري