الشيشان في الشرق الأوسط.. شأن داخلي روسي

الشيشان في الشرق الأوسط.. شأن داخلي روسي

09 مايو 2018

رمضان قاديروف في موسكو.. شراكة موالية لبوتين (5/10/2017/Getty)

+ الخط -
وساطة، إعادة إعمار، مساعدات إنسانية: هي أوجه من نشاط حثيث لشيشان رمضان قاديروف في سورية، وطريقة يخدم بها الرئيس الشيشاني الكرملين، مع أداء لعبة خاصة به على خلفية التموقع مدافعا عن الإسلام في جمهورية شمال القوقاز، حيث طالما أخذ الكفاح ضد المستعمر الروسي شكل التجنيد الديني خلال قرنين.
كما كان الحال خلال النزاع في شرق أوكرانيا الذي اندلع عام 2014، جعل قائد الشيشان، رمضان قاديروف، الجمهورية القوقازية "الروسية"، وسائله في خدمة الكرملين، منذ قرّرت موسكو التدخل في الشرق الأوسط. حدث ذلك في سورية أولا، وأيضا في ليبيا، وإن كان بمستوى أقل حتى الآن.
ويلاحظ الخبير في شؤون شمال القوقاز، أحمد يارليكابوف: "من جهةٍ، تشكل الحماسة التي يبديها السيد قاديروف شهادة على حاجته السياسية بامتياز، لكي يبدو مفيدا للكرملين. ومن جهة أخرى، هناك حرص على التكتم على الموضوع في موسكو، سواء من الكرملين أو وزارة الدفاع . وذلك لأن رئيس الشيشان أصبح في نظر بعضهم ذا قوة مبالغ فيها، وأن له لعبته الخاصة".

"صديق المسلمين"
سبق في 2008 خلال الحرب الروسية - الجورجية أن عرض قاديروف خدماته على فلاديمير بوتين لإرسال "القاديروفسكي" (قوات الأمن) لتكون "قوى للسلام" إلى جورجيا، على الرغم من السمعة الرهيبة التي اكتسبوها خلال حرب الشيشان الثانية (ابتداء من 1999) حيث مارسوا التعذيب والتنكيل والاختطاف.
لم يرد الكرملين على عرض الخدمة هذا، لكنه كان قد سبق أن لجأ بنفسه إلى الشيشان من أجل إرسال كتائب زاباد وفوستوك إلى جنوب القوقاز، في 7 أغسطس/ آب 2008، لسحق جورجيا الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية.
وسبق أن أظهر الفصل الجورجي كم هي موسكو في حاجةٍ، في بعض الأحيان، إلى الأعوان الشيشانيين، وكيف لقاديروف، وهو يدير لعبته الخاصة، المصلحة في أن يظهر شريكا جيدا 
لوليه. يشرح غريغوري لوكيانوف، المختص في الشرق الأوسط، من مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو: "أراد رمضان قاديروف استغلال الوضع في الشرق الأوسط على الفور، بمجرد بدء التدخل الروسي العسكري في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015. فعل ذلك أولا، حتى يبدو بمظهر المسلم "الجيد" في مقابل من يسميهم "المسلمين السيئين": أي الإسلامويين وكل الذين يعارضون نظامه، وما يسمونه الاستعمار الروسي. ولكن في الوقت نفسه، وهذا أمر أساسي، يساعد قاديروف الكرملين على الظهور صديقا للمسلمين. ولهذا السبب مثلا أثار القائد الشيشاني ضجة كبيرة في سبتمبر/ أيلول الماضي بشأن المجزرة التي يتعرض لها الروهينغا مسلمو ميانمار". ويلعب قاديروف الكثير في هذه القضية. فبالفعل خلال "حرب الشيشان الأولى" (1994 ـ 1996) شارك والده، أحمد قاديروف، مفتي جمهورية شمال القوقاز، في الجهاد ضد الروس، حيث طلب من كل شيشاني أن يقتل منهم قدر ما استطاع. ولكن مع بداية "الحرب الثانية" التي أعاد إطلاقها فلاديمير بوتين سنة 1999، انتقل إلى الصف الموالي لروسيا، وقد برر ذلك آنذاك بأن تنامي "الوهابيين" فرض عليه هذا الاختيار. وقد ساعده ابنه رمضان في استعادة السيطرة على الجمهورية، حيث تكفل بالأعمال القذرة.
وبعد مقتل والده إثر عملية اغتيال في 2004، أصبح رمضان رئيسا للجمهورية، بإرادة فلاديمير بوتين؛ وتأسست علاقة (سياسية) جد شخصية بين الرجلين. وجعل هذا التحول من آل قاديروف خونة في نظر شيشانيين كثيرين، وهو شعب مسلم سني بتعداد مليون نسمة، فقد بين 10 و20 % من أبنائه خلال حربي الاستقلال اللتين نشبتا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
وقد كان الوازع الديني عامل تجنيد، كما هو الحال دوما منذ الغزو الروسي للقوقاز منذ قرنين، وهذه المرة بموارد الإسلام المستورد من شبه الجزيرة العربية. ويعمل قاديروف لتقويض أسس تمرد شعبه عبر سياسة تمزج بين "إسلام متشدّد مستوحى من بلدان الخليج (...) والإسلام الشيشاني التقليدي"، على خلفية "خطاب معاد للاستعمار"، تم تحويله إلى "إيديولوجية وطنية موالية لروسيا تجعل من الشيشانيين مهللين لنجاحات بوتين"، كما تلخص ذلك الباحثة مارلين لاروال.

تدخل الشيشان في سورية
تم الحديث عن تورط الشيشان في سورية، بعد سقوط حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، إثر انتصار بشار الأسد على المعارضة المسلحة، نتيجة تدخل الطيران الروسي والقوات البرية الإيرانية أو المدعومة من طهران. كان ذلك أولا عبر دوريات "للشرطة" في حلب المستعادة. كما أوكلت لها مهام مماثلة في مناطق "خفض التصعيد"، عبر فرق مشكلة مع مواطنين آخرين من شمال القوقاز من الأنغوشيين والقبرديين والداغستانيين. وكان ذلك في وقتٍ التحق فيه آلاف من مواطنيهم بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة في سورية والعراق بعد 2011. ويقول خبير روسي آثر عدم ذكر اسمه: "من المهم بالنسبة لرمضان قاديروف ليس فقط إسداء خدمة للكرملين، وتظاهره بأنه يساهم في السلام عبر مقاتلة "المسلمين السيئين" والإرهابيين، بل كون ذلك أيضا يسمح له بتدريب قواته المسلحة. لهذا يقول لي أشخاصٌ من مقربيه إن قاديروف يحرص على أن يكون هناك تناوب مستمر للعسكريين في عين المكان. لماذا؟ لأنه يفكر في ما بعد بوتين. ولأنه غير متأكد من أنه سيحظى بالدعم نفسه من الكرملين، بل وحتى أن الأمور قد تتجه نحو الأسوأ".
لقد تمكن قاديروف حتى من إقناع موسكو بإنشاء مركز تدريبي للقوات الخاصة، حسب عدة وسائل إعلام روسية. وقد أقيم هذا المركز في غوديرميس، بالقرب من مقر إقامة رئيس 
الشيشان، على مساحة 500 هكتار، وفرها مركز التدريب الرياضي متعدد الوظائف (ماستر) المرتبط بمؤسسة أحمد قاديروف. وحسب دانيل مارتينوف، أحد مساعدي رمضان قاديروف، كل المدربين هم من قدماء وحدات النخبة الروسية (آلفا، فيمبل، ومن المديرية العامة للاستعلامات). وقد تم إرسال الكتيبة الأولى التي كونت في هذا المركز إلى سورية في ديسمبر/ كانون الأول 2016.
اتسع التدخل الشيشاني بعد ذلك. وهناك حديث عن المساهمة في إعادة بناء البلاد بعد الحرب. في الواقع، تم الإعلان على الخصوص أن الشيشان سيعيدون بناء مساجد حلب وحمص. هل ذلك مجرد إعلان إشهاري؟ ستأتي الأيام بالخبر اليقين، ولكن ذلك يعبر، في المقام الأول، عن الأمور التي يريد بها رمضان قاديروف إبراز دعمه الشعب السوري.
ويلاحظ أحمد يارليكابوف أن "إعادة بناء المساجد هو ركن ترك لقاديروف، حيث يقوم الكرملين بإبرازه ضمن سياسة إغراء تجاه المسلمين. ويشكل ذلك في الواقع استمرارا للسياسة التي تتبعها فدرالية روسيا نفسها، حيث يبني الشيشان المساجد في مناطق وجود المسلمين. ولهذا تأثيره، حيث أبرزت دراساتٌ كيف تحسنت صورة رمضان قاديروف وجمهوريته لدى مسلمي روسيا". وتتكفل مؤسسة أحمد قاديروف القوية بهذه البناءات، وهي التي يتم تمويلها عبر ضريبة غير رسمية يُجمع من خلالها بين 10 و30 % من أجور الشيشانيين، و50% من أرباح الشركات التي تنشط في تلك الجمهورية الصغيرة، وهي المؤسسة نفسها التي تتكفل بتوزيع المساعدة الإنسانية في سورية منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي. ويكرر رمضان قاديروف في الشبكات الاجتماعية (ويعيد تلفزيون جمهورية الشيشان بث ذلك) أن المساعدة التي تقدمها غروزني للإخوة السوريين أكبر بكثير من التي تقدمها المنظمات الدولية. وفي رسالة تم نشرها في 28 مارس/ آذار على أرضية مايليستوري، يؤكد الزعيم الشيشاني، مثلا، أن مؤسسته "تقوم بعمل إنساني غير مسبوق" في سورية، حيث توفر "مع القوات الروسية مواد غذائية ومياه الشرب لـ 700 لاجئ على خط الجبهة في الغوطة الشرقية".
في الواقع الأمر جد متواضع، مقارنة بـ 7,6 ملايين شخص، تتكفل بهم الأمم المتحدة والعشرات من المنظمات الإنسانية الأخرى. ويؤكد كل من موقع "بوليغراف إنفو" للتدقيق في المعلومات، و"صوت أميركا" و"راديو فري أوروبا/ راديو ليبرتي"، بأن المساعدة الشيشانية لا توزع إلا على المسلمين السوريين.
ويوضح زياد سبسبي، الموفد الخاص لقاديروف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن "اللحظة الأهم (لمساعدتنا) ستكون الأعياد الإسلامية: شهر رمضان الكريم وعيد الأضحى". وهكذا سيتم توزيع خمسمائة ألف طرد خلال رمضان وعشرة آلاف أضحية على خمسين ألف سوري في سبتمبر/ أيلول المقبل.

مهمات دبلوماسية
يقوم الشيشان أيضا بمهام دبلوماسية خفية في ليبيا. وهكذا توجه النائب من الدوما الفيدرالية، آدم ديليمخانوف، مرات إلى طرابلس خلال 2016 للتفاوض من أجل إطلاق سراح بحارة 
روس متهمين بالتجارة غير الشرعية بالنفط الليبي، غير أن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك. يقول غريغوري لوكيانوف إنه "ليس من السهل دائما جمع الأطراف المتعارضة الليبية في موسكو، لذا يتم هذا أحيانا في غروزني، ويعود ذلك إلى أن الشيشان كانوا قد أقاموا علاقات مع الشرق الأوسط منذ زمن بعيد، ومع شتات شمال القوقاز الذي برز في نهاية القرن التاسع عشر. ويتم "ترميم" هذه الروابط أحيانا عبر التجارة، وعبر المبادلات الدينية أحيانا أخرى. كما علينا أن لا ننسى أن أحمد قاديروف قد درس في الأردن. ويعود السبب إلى أن الحربين الأخيرتين في الشيشان مثلتا مناسبة لإنشاء شبكات".
ويلعب زياد سبسبي دورا خاصا في هذه الوساطات. هذا السيناتور الروسي، الذي ولد سنة 1964 في حلب، عمل مدة طويلة مستشارا ومساعدا لأحمد قاديروف. وهو رجل المهمات الخاصة: تنظيم عودة بعض الجهاديين من شمال القوقاز، إقامة الاتصال بين جماعات معارضة سورية والسلطات الروسية (لتوقيف الأعمال العدائية على الأرض والبدء في الحوار السياسي)، تحصيل الإقامة في فدرالية روسيا لأعضاء من الشتات القوقازي، وهي مسألة حساسة، فموسكو شديدة التردد في هذا الموضوع.

"القاديروفية" إيديولوجية ما بعد الحداثة؟
يظهر العديد من مراقبي شأن الجمهورية القوقازية الصغيرة انبهارهم بالقدرة التي تمكّن من خلالها رمضان قاديروف من جعل نفسه مفيدا للكرملين، إن لم نقل ضروريا، مع الاحتفاظ لنفسه بالقدرة على لعب أوراقه الخاصة. يقول أحد هؤلاء في موسكو "قاديروف شخص عنيف، فظ، جاهل. ولكن، ولدهشتي الكبيرة، علي أن أعترف بأنه نجح في شق طريقه، وفرض نفسه في بيئة معادية. إننا نتكلم دائما عن علاقته الطيبة مع بوتين، لكننا ننسى أن عديدين في جهاز الأمن الفدرالي الروسي، ومديرية الاستعلامات الرئيسية، وفي الكرملين إلخ.. يكرهونه".
ووصل الأمر إلى حد أن بعضهم، مثل مارلين لاروال، يتساءلون إن كانت سياسة قاديروف تؤشر إلى "عدة تطورات جارية. أولا، هو يؤكد على أن مكافحة السلفية الجهادية ستفرض على بلدان إسلامية عديدة أن تختار سلفية الدولة (...) فالتزمت الديني الموالي للأنظمة القائمة، ولكن المعادي للغرب والمحافظ في المجال الأخلاقي، يبدو موعودا بالنجاح. ثانيا: تجسد القاديروفية الطابع "ما بعد الحداثي" في الأيديولوجيات المعاصرة، بمعنى أنه يستطيع أن يجمع بين ما يبدو متعارضا والنجاح في تمجيد القومية الشيشانية وقوة روسيا العظمى في نفس الوقت".. ولا يعتقد أحمد يارليكابوف بذلك أبدا: "الشيشان حالة فريدة من نوعها، وهو بعيد جدا عن المنطق الشرق أوسطي".
ويتمثل التطور الآخر الناجم عن عمل قاديروف في سورية وليبيا في بناء دعم خاص به وشبكات خارج روسيا، تحت غطاء تأكيد القوى الناعمة لروسيا تجاه العالم الإسلامي، وذلك في حال ما إذا ساءت الأمور مرة أخرى بين موسكو وجمهوريتها القوقازية النزقة.
(ترجمة عن الفرنسية حميد العربي)
avata
avata
ريجيس جانتيه

مراسل صحفي فرنسي في روسيا

ريجيس جانتيه