الخليج والمغرب العربي.. مساران ودروس غير مستفادة

الخليج والمغرب العربي.. مساران ودروس غير مستفادة

09 مايو 2018
+ الخط -
لا يمكن الحديث في موضوع دقيق بدون التخطيط للنقاط التي يجب تناولها فكرة فكرة في تناسق ينطلق من سؤال يطرح، أو أسئلة، ومسار منطقي ومنهجي للإجابة عليها، وهو ما جرى في مداخلتي في منتدى الجزيرة الثاني عشر المنظم يومي 28 و29 إبريل/ نيسان الماضي في الدوحة. وجاءت المداخلة طلبا للتناسق مع مداخلات سبقتني، مغايرة لما برمجته لأتحدّث، فيما بعد، عن مقارنة عقدتها بين مسارين لمنتظمين، أريد لهما أن يكونا قاعدتين للتكامل. ولكن، بفعل سوء التخطيط والقرارات الخاطئة والانخراط في لعبة توازنات غير محسوبة إقليميا ودوليا، تردّت إلى عدمية تشابه عدمية الواقع العربي الذي نعيشه منذ فترة طويلة، وعلى المستويات كافة.
تحدّثت عن كرة ثلج تدحرجت منذ زمن، وحملت معها، في انحدارها، سلسلة من الفشل وسلسلة من النجاحات. وكان نصيبنا من الفشل وافرا، بل أصبح "ماركة مسجلة"، ومؤشراته: فشل في بناء نموذج للدولة (أيّا كان توجّه تلك الدولة وشكلها أيديولوجيا أو مؤسّسيا). فشل في بناء نموذج الاقتصاد باستمرار اجترار الرّيع، والعجز والشراكات الخاسرة، ما أدّى إلى تذيّل العرب قوائم كل المؤشرات، ما عدا بعض الحالات التي تقدمت في مؤشرات وفشلت في أخرى. فشل مجتمعي في إقرار العدالة الاجتماعية، الكرامة للإنسان العربي، العيش الكريم والحرية، بكل أبعادها، فشل في اللّحاق بركب التّغيير والتحوّل نحو الديمقراطية بفشل الرّبيع العربي وارتداده ثورات مضادّة، انقلابات، مشاريع لتهديم الدولة ومؤامرات لإفشال مسارات التّغيير والتدخّل 
لتفكيك الدّول، سواء من القوى العالمية، الإقليمية أو دول الجوار، فشل في إعطاء ماء الحياة لمشاريع التّكامل، ولو في أدنى صورها على غرار ما يجري منذ أكثر من عقدين بالنسبة للمشروع المغاربي (اتّحاد المغرب العربي) أو، منذ العام الماضي، بالنسبة للمنتظم الخليجي (مجلس التّعاون الخليجي) بحصار دولة قطر، خصوصا من دول الجوار الخليجية (البحرين، الإمارات والسعودية). فشل في بناء مشروع لتبوّء المكانة الإقليمية وترك المجال فارغا لتسيّد قوى غير عربية المشهد في المنطقة بصفة طبيعية (إسرائيل) أو بوكالة من الولايات المتحدة الأميركية، بصفة خاصّة، بالنسبة لكل من إيران (بسبب الغزو الأميركي للعراق)، وتركيا بصفتها عضوا في الحلف الأطلسي. فشل في المبادرة بالفعل في كل الأزمات والصراعات، ما أدّى إلى صعود قوى في الإقليم تتسيّد المشهد وتسيّره وفق مصالحها مع ترك المجال لردود أفعال، غالبا ما أخطأت في الاستجابة للتحدّي، وارتداد ذلك تدخّلا في شؤون الدول العربية في الجوار، التّسبب في الاقتراب من عقد "صفقة" وصفت بالقاضية على القضية الفلسطينية، إضافة إلى ارتداد ذلك حصارا على غرار ما يقع منذ عام لدولة قطر في الخليج.
بسبب هذا الفشل متعدّد الأبعاد، أصبح من العادي أن تقرأ، بل وتعتقد أن العالم العربي يشكّل الاستثناء في أمّهات القضايا العالمية من ناحية الفشل، من جهة، ورسم صورة نمطية للانهزام وصنع الموت (الإرهاب)، من جهةٍ أخرى.
أمّا النّجاح، فقد كان من نصيب غيرنا، خصوصا من القوى الإقليمية غير العربية التي تسيّدت المشهد في الإقليم، وأصبحت الآمرة والناهية فيه، بمشاريع لتبوّء هذه المكانة وبتخطيط أبرزت فيه كفاءة وقدرة كبيرتين على تعبئة القدرات وتحويلها إلى كمّ من الاستراتيجيات المفعّلة على الأرض، والتي استفادت من سلسلة الفشل التي جاءت السطور السابقة على ذكرها، لتصبح حينا "تهديدا"، وأحيانا أخرى "عدوّا" يجب التعامل معه بوتيرة ردّ الفعل، وفي غياب أية مبادرات بديلة لاحتواء الفشل وتعبئة الموارد (صناديق السيادة وأرصدتها، مثلا).
بعد نحو عام على وقوع الأزمة الخليجية، ماذا يمكن القول؟ تشكّل هذه الأزمة امتداداً لسلسلة الفشل المذكورة أعلاه، إضافة إلى اتّسامها، بصفة خاصّة، بأنها صور من التّعبير عن حالات الفشل في صنع الفعل، وبناء المبادرة بالفعل، بل استمرار في اتخاذ القرارات الخاطئة، انطلاقا من معاداة مشاريع التّغيير، ثم الانخراط في مشاريع مضادّة للحراك، الثورات والانتفاضات، وذلك على امتداد خريطة تلك الموجات التي اقتربت من إرساء مشاريع فعلية للفعل والإسهام
 الحضاري، التّعبير عن غياب/ تغييب للفكر الاستراتيجي للفعل، حيث إن جل القرارات كانت خاطئة أو مبرّرة لفعل معادٍ للخط الذي أراد رسم خريطة طريق للانعتاق من ربقة الإرادة التي يبقي العالم العربي في دائرة الفشل المرسومة، بمختلف صورها أعلاه، والتّعبير عن ترك المجال واسعا لارتسام الفعل الاستراتيجي المغاير، بل وتقويته بالقرارات الخاطئة (التدخل في اليمن، مساندة الثورات المضادة، حصار قطر).
في المحصّلة، انتهى المساران إلى الاستعاضة عن مشاريع لتبوّء المكانة الإقليمية بعمل جماعي تكاملي، بتبعية لمشاريع تم بلورتها لاحتوائنا، سواء على المستوى الجواري/ الإقليمي (بالنسبة للخليج مع كل من إيران وتركيا من دون نسيان الكيان الصهيوني) أو على المستوى الدولي، كما يجري بالنسبة للمسار المغاربي، بتفضيل طريقين، هما التوقيع الفردي على اتفاقات شراكة خاسرة وفاشلة (تونس في 1995، المغرب في 1997، الجزائر في 2002) ومنتدى 5+5 مع دول القوس اللاتيني (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال، مالطا) إضافة إلى مبادرات أخرى كثيرة، منها ما هو أمني (حوار مع حلف شمال الأطلسي، بصفة فردية أيضا) أو اقتصادية/ سياسية/ أمنية، على غرار مسار برشلونة أو الاتحاد من أجل المتوسط.
ماذا كانت النتيجة؟ كلا المسارين يرنّح والمنتظم الخليجي السبّاق إلى الانطلاق في البناء التكاملي/ الاندماجي (في 1980) لم يستفد من دروس "الموت السريري" للمنتظم المغاربي (المنطلق في 1990)، بل يحذو حذوه في إعادة صياغة الفشل نفسه، بعد انفراط عقده بحصار دولة قطر.
في النهاية، ما زال انحدار كرة الثلج مستمرا، وتأخذ، كلما نزلت أكثر، في طريقها، مزيدا من الفشل ومزيداً من الحسرة على واقعٍ لم نغيره، وبدائل لم نوجدها، ومستقبل لم نحضر للذهاب إليه.