مطلوب موظف للإيجار

مطلوب موظف للإيجار

06 مايو 2018
+ الخط -
يُعلَن عن بدء استقبال طلبات المستجدين الراغبين بتأجير أنفسهم، ويرون فيها الكفاءة، شريطة امتلاك الخبرة، والعمل خارج أوقات الدوام، وتحمل ضغط العمل، والتفرغ التام للوظيفة.
قد يُصدَم القارئ من صراحة الإعلان غير المعهود وفظاظته، على الرغم من أن الشروط هي نفسها التي تكون ماثلة عند ملء أي طلب توظيف، ولكن يغيب عن بال المُتَقدم المتحمس لجني المال وبناء الخبرة، أن ترجمة شروطٍ كهذه تتطلب إما خبرة مُستأجَر سابق، أو العودة إلى العصور المظلمة لقراءة النظام الإقطاعي الأكثر صراحة من عصرنا المُتَملق.
وعادة ما تكون ترجمة شروط الوظيفة تحت ضوء النظام الإقطاعي، فمثلاً: "امتلاك الخبرة" يعني سواعد قوية لفلاحة أرض السيّد، و"العمل خارج أوقات الدوام والتفرّغ التام" يعني تكريس حياة العبد لخدمة سيده، و"تحمل ضغط العمل" يعني أن يكون مهيأً لأن يسمع شتيمته بأذنه، والتبخيس في عمله من مديره، ومن ثَمّ مقاضاة حجم المجهود الضخم بسعر يُؤمَن له فقط شربة ماء، وقَسمة خبز تبقيه حياً من أجل العمل.
قبل أن يفلت القارئ، ويهرب مُثقلاً بالمخاوف عليه أن يعي أمراً، أن هواجسه وتساؤلاته حقيقة لا مجازاً، كما أن ما سُرِد من قليل لا يحتمل المبالغة، سيما أن الواقع العربي، والفلسطيني خصوصا، يسير بمنحدر خطير فيما يخص حقوق الموظفين والعاملين في المؤسسات.
قبل فترة، كان من نصيب كاتب المقال أن التحق بوظيفة في مؤسسة إعلامية مدة قاربت العام، كان لهم خلالها حق المحاسبة على أي تقصير في الواجبات التي لا تتوقف. في المقابل، لم يكن للموظف أي حق في محاسبتها على حقوقه، مثل عدم التزامها بقوانين المؤسسة والحكومة، فيما يخص الحد الأدنى من الأجور والزيادات. فعند التحفيز يلوحون للموظف بوعود في زيادته بأن يبلغ الحد الأدنى من الأجور، وعند التذمر خلال الاجتماعات يُهددونه في حال لم يعجبهم الراتب "هناك غيرهم مستعد للعمل بنصف المبلغ".
بل إلى أبعد من ذلك في عدم وجود عقود عمل، وفي حالات أخرى تكون عقودا متجددة، هربا من التثبيت الذي يستدعي مزيداً من الاستحقاقات. ناهيك عن العمل في أيام العيد، ومحاسبة أصحاب الآراء المخالفة، وتتبع منشوراتهم على "الفيسبوك". وفي حالة كهذه التي يكون فيها رئيس المؤسسة نافذ العلاقات مع الحكومة التي أصبح لا يحسب لها أي حساب، يصير اللجوء إلى المحكمة احتمالاً مشكوكاً في جدواه.
هذا يجعلنا نفكر ملياً بعدوى الاستبداد التي تتفشى داخل المؤسسات، منتهكة حقوق العاملين، بحيث يمارس المدير ورب المؤسسة دور "البوليس"، ليعيد شعوره بأنه قادر على أن يكون قوة مطلقة داخل المؤسسة، كما يواجه العكس في الخارج.
كذلك يزداد الأمر خطورة بإسقاطات هذا النظام الإقطاعي في القطاعات المختلفة (الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي)، في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والذي يُعتبَر امتداداً لجملة المواقف التي يتعرّض لها الفرد الفلسطيني من قمع للإنسانية، وانعدام النموذج، وضبابية المشروع التحرري الذي يقود البلاد.
التراكم الاعتقادي باعتبار إنجاز فرعون في الأهرامات حضارة للبشرية، بدلاً من فهمه رمزا للاستعباد (مات في سبيل تشييدها أعداد ضخمة مسلوبة الحقوق من أجل "الأنا" خاصة الفرعون) لا زال يعكس آلية تعاطي المؤسسات التشغيلية مع موظفيها وبقية المؤسسات المختلفة، وتعاملها مع صراعها النفسي الواقع بين "مصلحتي" أم مصير "العامة".
ويمكن الإضافة إلى ذلك مسألة النظر إلى مشروع شق قناة السويس في مصر، "الإنجاز" الذي يُحتفى بمطبق فكرته محمد سعيد باشا، والذي قُتل في سبيل تشييده أكثر من 120,000 مصري مسلوبي الحقوق، عملوا في ظروف استعباد بحتة، إلى درجة أن العاملين (كما ورد في القصص المتناقلة) في أحيان كثيرة لم يجدوا شربة ماء.
وعودة إلى بداية القضية، تلك النظم التي تستغل حاجة الخريجين للعمل بمقاضاتهم مقابل مبلغ زهيد، ما تلبث حتى تبدأ بالتخلص ممن يهدد صورة الآلهة المتمثلة بالمؤسسة عن طريق اختبارات شخصية، فلا يصمد إلا مَن يتمكن من السجود "سلوكياً" على أكمل وجه.
حتى لا نكون سوداويين، على القارئ إدراك أمر في غاية الأهمية أن الظلم يتغذى على الخوف والصمت، فإذا تغذى عليهما طُمِسَت نوازع إنسانية كالكرامة والحرية، واستشرى الفقر في ظل تزعُّم "الرأسمالية" أكبر ظلٍّ للاحتلال.
0316CAC0-7257-4397-BEAD-FBF44A378E4B
0316CAC0-7257-4397-BEAD-FBF44A378E4B
سائد نجم (فلسطين)
سائد نجم (فلسطين)