بين الصين وأميركا

بين الصين وأميركا

04 مايو 2018
+ الخط -
تتحول الولايات المتحدة اليوم ليس إلى مصدّر رئيسي للنفط في العالم، ينافس صادرات كل من روسيا ومنظمة أوبك، وهما أكبر مصدرين للنفط حتى الآن، بل إلى واحدةٍ من مصدري النفط إلى الصين التي استوردت في يناير/ كانون الثاني الماضي، من مصادر مختلفة، أقل قليلاً من عشرة ملايين برميل من النفط يومياً. وتؤشر هذه المستجدات التجارية على تبدل مقبل للعلاقات بين الدولتين الكبيرتين، في وقت كانت فيه سياسة الرئيس دونالد ترامب تنحو إلى فرض ضرائب حمائية ضد الواردات الأميركية من الصين.
وتفيد الأرقام بأن إنتاج الولايات المتحدة من النفط، البالغ أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً، بات يتفوق على ما تصدّره السعودية التي تعدّ أكبر مصدّر للنفط في العالم، كما تقول توقعات إن الولايات المتحدة ستتفوق في إنتاجها، مع نهاية العام الجاري 2018، على روسيا التي تعدّ حالياً أكبر منتج للنفط في العالم.
تشكّل صادرات الولايات المتحدة من النفط إلى الصين، اليوم، نحو 10% فقط مما تستورده الصين من دول منظمة أوبك، لكن هذه النسبة ستكون مرشحّة للارتفاع بشكل مضطرد، خصوصا أن أسعار المنتج الأميركي تنخفض عن سعر مزيج برنت الذي تعتمده "أوبك"، بنحو أربعة دولارات، كذلك تعمل الولايات المتحدة على حل مشكلتها التي تعيق زيادة صادراتها النفطية، المتمثلة بعدم توفرها على رصيف مناسب لاستقبال حاملات النفط العملاقة، إذ تقوم حالياً بتوسيع واحدةٍ من منشآتها المتخصصة بتصدير النفط على خليج المكسيك.
من الزاوية التجارية، يقلص استيراد الصين المتزايد للنفط الأميركي الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين البلدين، والذي يميل بالطبع لصالح الصين، إذ انكمش من نحو 25.5 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول الفائت، إلى أقل من 22 مليار دولار في الشهر التالي، يناير/ كانون الثاني 2018. ومن المتوقع أن يقود ذلك إلى خفض الضغوط الأميركية المتزايدة على الصين وسياستها الاقتصادية التي تنعكس على كيفية تسعيرها لعملتها الوطنية (يوان)، حيث تطالب الولايات المتحدة الصين بشكل مستمر برفع قيمة عملتها، وتتهمها بتسعيرها عند مستوى منخفض من أجل دعم صادراتها الخارجية، ومنها صادراتها إلى الأسواق الأميركية، بشكل ينعكس سلبياً على قدرة المنتجات الأميركية على المنافسة في الأسواق.
لكن المسألة الأكثر أهمية هنا لا تقع في المربع التجاري وحسب، بل في كيفية انعكاس هذه المستجدات على مستقبل العلاقات السياسية بين الصين والولايات المتحدة، وهي العلاقات التي لا تتسم في عمقها بالود. وتتعلق التساؤلات الأولى التي يمكن طرحها بمدى مواصلة الولايات المتحدة سياستها القائمة على افتعال المشكلات للصين في محيطها الجغرافي، خصوصا في بحر الصين الجنوبي، وعلاقاتها مع جيرانها من حلفاء الولايات المتحدة، مثل الفيليبين، كذلك دعمها المعلن والمضمر للحركات الانفصالية الداخلية في الصين، مثل حركة تركستان الشرقية في مقاطعة شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة من قومية الويغور التي تقيم زعيمتها في أميركا، ودعمها انفصاليي التبت. وتتسع الأسئلة لتطاول مواجهة الولايات المتحدة نفوذ الصين المتزايد في وسط وغربي آسيا، بما في ذلك دعمها نمو الاقتصاد الهندي لمنافسة الصين، كذلك مواجهة خطط الصين في شرقي أوروبا، وأفريقيا. 
لكن المؤكد أن بناء مصالح تجارية وثيقة من هذا النوع بين البلدين سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى تغييرات سياسية عميقة، ما تزال مفتوحةً على المستقبل، ليس بالضرورة أن تقود إلى تحالف الدولتين في المدى البعيد على شاكلة التحالف الصيني الروسي القائم اليوم، لكنه بالطبع سيغير مجرى التاريخ الذي كان متوقعاً في العقود الثلاثة المقبلة، ومفاده المواجهة الحتمية، الباردة على أقل تقدير، بين الصين الجادة في بناء مكانة عالمية جديدة لها، سياسياً وعسكرياً وثقافياً، فضلاً عن مكانتها الاقتصادية، والولايات المتحدة الساعية إلى الدفاع عن قطبيتها ومركزيتها وتفرّدها بقيادة العالم وتوجيهه.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.